رسالة ليبيا للعرب.. لن أغرق في الإرهاب والفوضى وأتعرض للتقسيم وحدي..
عانينا من طيش القذافي وجنونه سوياً وتخلصنا منه سوياً..
والآن إما أن ننجو سوياً
أو نغرق سوياً


ما لم يفهم كثير من العرب، خصوصاً في الخليج، أن ليبيا تحولت بفضل كل الظروف الداخلية والإقليمية والدولية إلى ساحة لعمل جيوش من أجهزة الاستخبارات، فالأمريكان والروس وإسرائيل والجزائر ومصر وتشاد والسودان وفرنسا وتركيا وقطر وإيران وكل منها يغني على ليلاه، والتي قد تكون النفط والغاز أو ملاحقة مطلوبين أو تصفية خصوم في التنظيمات المتطرفة وعصابات الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية ومافيا الاتجار بالأعضاء الآدمية والمخدرات والسلاح، وكافة أنواع الجريمة المنظمة.
فتحققت نبوءة نجل القذافي، سيف الإسلام، الذي أشار بسبابته محذراً ذات مرة قائلاً: «إما نحن وإما الفوضى»، تلك السبابة أهم ما حرص شانئه على قطعها عندما سقط بين أيديهم، ظانين كما غيرهم أنهم بالتنكيل بالقذافي وعائلته وقطع السبابة المهددة انتهى الخطر وأصبحت ليبيا ملك أيديهم ودان لهم الأمر، وهو تصور لا شك موغل في السذاجة، وهي للحق سذاجة رافقت أحداث التغيير العربي؛ فالقذافي، كمبارك وعبدالله صالح، لم يكونوا أفراداً؛ بل نظماً لها مؤيدون مؤمنون بها، وأتباع ومستفيدون لن يقبلوا أن تمس مصالحهم، وهم في الحالة الليبية قبائل مسلحة ودول مسترزقة وتنظيمات حول العالم أغدق عليها العقيد بسخاء، بل وصحافيين وإعلاميين أصابهم الثكل واليتم من بعد المرحوم، وأن هؤلاء سينتقمون من خصومهم بطرقٍ أخرى أشد إيلاماً.
فليبيا لن تكتفي بالفوضى الذاتية؛ بل سيطال الجميع نصيبه، ولأن الأقربون أولى بالمعروف؛ فمصر التي فتحت أوسع أبواب التعاون مع ليبيا التنظيم في عام مرسي غرقت بترسانة أسلحة انتشرت على طول القطر المصري وعرضه، حصد بعضها أروح الجنود والمدنيين ودمر البنى التحتية، ووقعت بعض تلك الأسلحة في أيدي متمردي دارفور السودانيين وداعميهم من أبناء عمومتهم في تشاد، ووصلت شظايا الفوضى الليبية إلى فلسطين المحتلة عبر التنظيمات الفلسطينية التي استفادت من أسلحة ما بعد القذافي العابرة للأنفاق، التي يحسب لها أنها أحدثت توازناً نوعياً في المواجهات الأخيرة بغزة، وزادت أسلحة القذافي وفوضاه معاناة دول المغرب؛ سواء تلك التي تعاني أجهزتها من الوهن كتونس أو تلك القوية والمتماسكة كالجزائر والمغرب.
طارت شظية كبرى من شظايا الفوضى تجاه سوريا والعراق؛ حيث غدت ليبيا ممراً للراغبين في الانضمام إلى التنظيمات العنيفة المقاتلة على أراضيها، واحتوت القادمين من أوروبا والمغرب والجزائر وتونس أفراداً وتنظيمات ذات خبرة؛ كالقاعدة في بلاد المغرب العربي وغيرها ممن وجدوا في ليبيا حاضنة مناسبة امتزجت فيها الأفكار وتلاقحت الخبرات مع إخوانهم المشارقة اليمنيين والمصريين والعراقيين والخليجيين، خصوصاً السعوديين، الذين دخلوا الساحة الليبية، فأصبح على دولهم المتعهدة بمكافحة الإرهاب أن توسع ملاعب مطاردتهم بعيداً في الصحراء الكبرى وما ورائها.
أما أوروبا فأشبه بمن ينام على برميل بارود بعد اختلاط اللاجئين الفارين إلى جنان الشمال من جحيم الجنوب بفقره وحروبه بالمتخفين في انتظار ساعة الصفر لسماع صوت انفجار شبيه بالذي أحدثته طائراتها في ليبيا، والتي يبدو أنها قررت أن تكون الكابوس القادم.
بقي أن تعي ما تبقى من أنظمة عربية أن ليبيا التي تؤكد كل الشواهد أنها ستؤول إلى التقسيم ليست إلا مقدمة وتجربة، إن نجح المخطط فيها فسيكون الحبل على الجرار لتقسيم كيانات تشترك معها في لعنة الثروة والتنوع المناطقي والقبلي، وأن مخطط الشرق الأوسط واستراتيجية الفوضى لن تتوقف في سبها وبرقة؛ بل لن تستثني أحداً، خصوصاً مع غياب مفهوم الدولة الوطنية.
ليبيا تقول للعرب عموماً والخليجيين خصوصاً لست وحدي، لن أغرق في الإرهاب والفوضى ولن أتعرض للتقسيم وحدي، عانينا من طيش القذافي وجنونه سوياً وتخلصنا منه سوياً، والآن.. إما أن ننجو سوياً أو نغرق سوياً.
وإن مت ظمآناً فلا سقط القطر.