خلال المناقشات التي تمت في ندوة «القصور الإعلامي أثناء الأزمة.. الواقع والتحديات» التي أدارها الزميل إبراهيم النهام من جريدة البلاد مشكوراً العام الماضي؛ اعترف أحد المشاركين باعتراف قد يختصر مأساة الإعلام البحريني حين قال أمام تداول قضية تنصيب غير الإعلاميين من قطاعات أخرى في المناصب القيادية للإعلام: أنا مثلاً كنت أعمل قبطاناً في البحر وليس لي أي علاقة بالإعلام فاتصلوا بي وعرضوا أن أكون وكيلاً للإعلام.
ثم استدرك: في البداية كنت متردداً، فالإعلام ليس تخصصياً وما علاقة البحر بالإعلام، إلا أنني عندما قبلت بالمنصب حاولت خلال عدة شهور قراءة عدد من الكتب في الإعلام كي أفهم هذا المجال، سؤال بريء؛ هل تكفي عدة كتب في الإعلام لإدارة واجهة الدولة الإعلامية أمام العالم أجمع؟
معظم المشاركين في تلك الندوة شكروا صراحته التي تعد قطرة من بحر الفوضى والمحسوبية في وظائف قطاع الاعلام، فسياسة التنصيب في المواقع القيادية للاعلام تعتبر احد الشواهد على مدى سوء الخلل الذي نعانيه وكأن المسألة «تعال واحشوا هالمواقع»، بغض النظر عن السجل الوظيفي لمن ستضعه ومن أي بيئة عمل جاء ونفسية الإعلاميين الكادحين الذين يفهمون كل صغيرة وكبيرة أكثر من هذا الغريب الذي جاء من تخصص ليس له أي علاقة بالإعلام، حتى لو تحطم طموحها أو تعرضت للإحباط والله ثم والله لو قام فريق من ديوان الرقابة المالية بجولة على معظم الذين يشغلون المناصب القيادية في الإعلام في مختلف القطاعات وتابعوا سجلهم الوظيفي وفتشوا في مؤهلاتهم مقارنة بالموظفين المهمشين -الإعلاميين الحقيقيين- في أقسامهم والذين لا يحظون بدورات تدريبية ولا تقدم وظيفي ولا حقوقهم لكشف الستار عن مدى «الورم الخبيث» المتفشي في دولتنا والمتجسد في بؤر الفساد الإعلامي التي تنخر التنمية والتطوير.
نجزم أن معظم الذين يضعون وهم لم يعملوا بالإعلام ولا يفهمون فيه يعتقدون أن الإعلام واجهة ديكورية لإبراز الصورة وتلميع الاسم وإنجازاته، وكأن «المنصب ملك له لا ملك عام للدولة»، والأدهى أن هؤلاء يظهرون أمام القادة أن قلوبهم على الوطن، فيما هم يضعون مصالحهم الشخصية أمام مصلحة الوطن ولا يهتمون إلا بإبراز أسمائهم وإنجازاتهم وأنشطتهم طيلة فترة عملهم، وهذا ليس اتهاماً فضفاضاً، وإنما تأملوا وقارنوا بين مستوى خطاب إعلامنا والإعلام للدول المجاورة، وكيف أن إعلامهم يمارس دور المعلم والمربي للأجيال التي تنمو على حب أوطانها وقيادته ويبرز إنجازات الوطن لا إنجازات الأشخاص وبأنفسكم سترون العجب.
القارىء المتميز بومحمد طرح في أحد تعقيباته سؤالاً في غاية في الأهمية يجسد علامة استفهام، حيث قال «لماذا لا يعطي الإعلامي المؤهل المتخرج حديثاً فرصة؟ الجواب ببساطة لأنه سيتفوق على هذا المسؤول غير المتخصص، لذا؛ وهنا (الغمنده وبيت القصيد) وهنا مكمن الورم ان كان خصمك القاضي فمن تقاضي؟».
فمن يتعلل بعدم وجود إعلاميين مؤهلين نسأله: لماذا لم يتم تأهيل وإحلال المتخصصين منذ 20 أو 30 سنة مضت كما فعلت معظم دول الخليج، حيث معظم الوجوه التي وصلتها لا تعتبر مجرد خبرات بل خبراء في الاعلام وخبراء في التخصصات الدقيقية مثل الإعلام التكنولوجي والاجتماعي، ولهم رحلة عطاء مميزة ساهمت في تعزيز المواطنة وتلقينها عبر وسائل الإعلام ولم تهتم بإبراز اسمها أو أسماء عائلاتها؛ بل اسم الوطن والوطن أولاً.
وإن كانوا جادين في محاولة إصلاح الإعلام البحريني لماذا لا يتم تجهيز صف ثاني من المؤهلين منذ ذلك الوقت والإصرار على إعطاء المناصب والصف الثاني من الإعلاميين لذوي المؤهلات الضحلة من أصحاب شهادات الثانوية والإعدادية ومن التخصصات الأخرى؟ لماذا الإصرار على عدم توظيف خريجي الإعلام وعدم تهيئة صف منهم لإمساك المناصب العليا بعد عشر سنوات من الآن؟ هناك خريجون منذ أكثر من عشر سنوات لكن اغلب من توظف واعطي منصب، أما موهوب أو من خارج الإعلام أو غير جامعي، والسؤال لماذا؟ متى ينتهي عصر الفساد وعهد إعلام العائلات وتقاسم كعك مناصب الإعلام فيما بينهم، وكأن الواجهة الإعلامية للبحرين واجهة لهم ولعائلاتهم ومن يعز عليهم؟ متى ينتهي هذا الفساد الذي يضع مصلحة العائلة قبل مصلحة البحرين؟ فساد يمنع ويعيق إيجاد إعلام وطني يوجه الرأي العام ويلقنهم الدروس الوطنية ومفاهيم الولاء للقيادة والانتماء للبحرين، بدلاً من أن يزيد استياؤهم على الدولة ومسؤوليها؟ وبدلاً من إعلام إنجازات فلان وعلان وتصريحاته ومواقفه، وكأنه هو الدولة ويكرس جميع وسائل الاعلام لتمجيده هو لا لتمجد الوطن؟
التعلل بظاهرة الشخص الموهوب عذر قديم انتهي عصره، «الموهوب خل يحط على عمره ويروح يدرس بالجامعة ويجتهد اسوة ببقية التخصصات التي تتطلب ايضا الابداع والمهارة، لكن لا يتم العمل فيها واقتحام مجالاتها إلا بشهادة وفق القانون الذي يلتزم فيه الجميع؛ الطب، الهندسة، المحاماة، ولماذا ديوان الخدمة المدنية متساهل جداً بالذات في تخصص الإعلام؟
هل من المعقول أنه لا يوجد خريج إعلام واحد صقل موهبته بالدراسة وطورها بالخبرة العملية في البحرين؟ الا يوجد مسؤول «قلبه على الوطن فعلاً» جاء في باله هذا السؤال ويرغب بالحصول على اجابته، أم أنه عندما يطرح هذا السؤال يسمع من البطانة الفاسدة من حوله «والله ما عندنا إلا عاهات إعلامية؟ ما في بالديرة خريجين إعلاميين والحل نتعاقد مع الخارج لإحضار طاقم عمل إعلامي كامل!».
سؤالنا لماذا إذا تفتح الدولة اقسام جامعية لدراسة الإعلام في الكليات أسوة ببقية الدول، وللعلم منذ التسعينات عندنا بالجامعة قسم الإعلام، إن كان لا يوجد نظام صارم يمنع تولي أي إعلامي منصب قيادي إلا بالشهادة والخبرة في نفس التخصص؟ لماذا لا توجد معايير ولا قانون صارم من قبل ديوان الخدمة المدنية عندنا يمنع تنصيب الدخلاء على المواقع الإعلامية ولا يوضع أي مسؤول إلا ولديه خبرة تراكمية في نفس التخصص؟
كان من المفترض بعد اكتشاف الأزمة الإعلامية الكبيرة المختبئة خلف أزمتنا الأمنية أن يكون هناك قرار جريء وشجاع بعمل لجنة خاصة لبحث أوجه القصور الإعلامي تعمل على مطالعة مطالب ورؤى الإعلاميين، ونشدد الإعلاميين العاملين في قطاع الإعلام، بدءاً من اصغر موظف انتهاءا بكبار المسؤولين. هذه الاشكالية لن تحل الا باتخاذ قرار بايقاف مسلسل المجاملات للبطانة الفاسدة من حولهم، والتي تعمل «فوتوشوب بتصرف» عن حقيقة الوضع الإعلامي البحريني ومحاولة الاستماع للإعلاميين الحقيقيين الذين يزاولون المهنة ويحترفونها، وأجزم أن هذه اللجنة ستكتشف أن هناك مخالفات بالجملة على أنظمة ديوان الخدمة المدنية التي تلزم بحمل مؤهل وخبرة لشغل الوظائف القيادية الاعلامية، فيما معظم من يتم وضعهم بناء على توصيات و«رفعة تلفون وكلمة مشوا اوراق فلان، وطالما المنصب شاغر وفلان خدمنا أكثر من 25 سنة حتى لو كانت هالخدمة في تخصص آخر حطوه مدير في الإعلام»، دون التدقيق والتفتيش ودون تحري مؤهلاته مقارنة بمؤهلات وخبرات الموظفين الذين سيوضع عليهم وإن كانوا مؤهلين للمنصب أكثر منه، لذا الحاجة هنا تكمن في إلزام ديوان الخدمة المدنية بعدم تنصيب أي مسؤول قيادي بالإعلام حتى لو جاء بتوصية إلا بعد التدقيق ان خبرته في نفس التخصص وبالاعلام وقبلها التدقيق على مؤهلات جميع الموظفين الذين سيوضع عليهم والتأكد من أن خبرته ومؤهلاته أفضل منهم وتزيد عليهم، إلى جانب إيجاد لجنة تظلمات لمن يتجاوز ويتصرف بتصرفات شخصية في التنصيب
ما نطلبه اليوم كإعلاميين، وهي رسالة نرفعها إلى القيادة الرشيدة وكافة المسؤولين -فقط المسؤولين الذين قلبهم على الوطن ويضعون مصلحة البحرين قبل مصالحهم الشخصية- نريد قراراً جريئاً وشجاعاً لترتيب البيت الإداري في أقسام ومؤسسات الإعلام وإعادة هيكلة وتفتيش وتدقيق على حال العاملين في هذا القطاع وتصحيح أوضاعهم بما ينصفهم ويحقق لهم العدالة الوظيفية أسوة ببقية الموظفين في كل التخصصات التي تعاني من الفساد ولكن الباب فيها ليس مشرعاً وبدون قوانين ومعايير كما الإعلام.