عبرت إحدى السيدات، من صاحبات البشرة السوداء، عند دهشتها أثناء زيارتها لإحدى الدول العربية من تعامل العديد من الناس هناك معها. تقول كانوا يعاملونني بازدراء باعتباري أثيوبية أو سنغالية، وحين كانوا يكتشفون أني أمريكية كانت معاملتهم لي تنقلب رأساً على عقب وكانوا يعتذرون لي عما بدر منهم سابقاً. وتضيف الأمريكية «السوداء»: حينها أدركت أن العرب هم أكثر شعوب العالم عنصرية!!
هل حقاً نحن عنصريون؟
فلنتأمل.. أولاً: الكثيرون منا يميزون بين العرب الخلص عامة والمستعربين من الأصول غير العربية أو من اختلطت عروبتهم بأنساب غير عربية، ثم إن الكثيرين يميزون بين الأنساب القبلية التي تمتد إلى القبائل العتيقة من نجد والحجاز واليمن، والأنساب المتشتتة التي يعجز أهلها عن سبر جذورها القبلية. ثم صار النسب (النبوي) الذي تؤكد الدراسات البيولوجية وعلم الأنساب أن ما يزيد عن ثلثيه منحول، صار تميزاً ومصدراً من مصادر التكسب والرياسة أحياناً. فيصير للعرب عدة مجموعات متميزة تتفاخر على الآخرين، ثم يتفاخر بعضهم على بعض.
وقبل ذلك، وربما أثناءه فنحن أمضينا عقوداً طويلة نزدري العرب من غير المسلمين. (فطفشنا) اليهود العرب وكانت غلطة تاريخية كبرى عززت المظلومية اليهودية وساهمت في دعم الصهيونية ومساندتها. ثم انهالت فتاوى الازدراء ضد المسيحيين بتحريم تهنئتهم بأعيادهم وتحريم الاحتفال بيوم رأس السنة الميلادية وتحريم التوسع في بناء الكنائس. وتطرف هذا الاتجاه حتى استهدف حياة المسيحيين مصر والعراق وسوريا، حيث انتهت تلك الحركات بتهجير قسري لآلاف المسيحيين العراقيين واحتجاز الراهبات الحمصيات في سوريا وحرق الكنائس في مصر وقطع رؤوس الأقباط الذين امتنعوا عن دفع الجزية للجماعات التكفيرية في الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم.
ثم اتسعت الدائرة حتى شملت العنصرية الطائفية التي تجسدت في معارك التكفير الفقهية التي لم تبقِ ولم تذر أحداً لم تكفره أو تفسقه أو تبدعه. وكل يدعي وصلاً بالفرقة الناجية لكن طوق النجاة مازال مجهول الهوية لحد الآن.
هل نحن عنصريون حقاً؟ هل مازالت جيناتنا الوراثية معبأة بالنعرات الجاهلية التي تفزع للقبيلة وتزدري كل غريب وتنبذ كل مخالف؟ وهل تحمل الثقافة العربية بذور العنصرية والشعور بالتفوق العرقي؟ ألم توظف الثقافة العربية نصوص امتداح العرب وفضل العربية واختصاص الله سبحانه وتعالى لها لغة لكتابه الكريم ليضع العرب لأنفسهم مكانة خاصة تصل أحياناً إلى القداسة؟ وإذا كان ذلك كذلك، فكيف تتعمق العنصرية لتميز بين العربي المشرقي والمغربي البدوي والحضري الأبيض منهم والأسود؟ إنها أسئلة الحضارة التي كلما ظننا أننا اقتربنا منها نجد أن مرجعياتنا الثقافية ماتزال تراوح بين ثقافة الصحراء وثقافة أصحاب العمائم.