ذهب رمضان بخيراته، بحيويته، بطاقته الروحية، بالجماليات القلبية التي تركها في قلوبنا، لكن هل ذهب حقاً كما تذهب الشهور أم ترك فينا آثاراً، وأحدث فارقاً في حياتنا اليومية؟ ذهب رمضان بكل حكمته وتركنا نقرأ آثاره في ملامحنا، وفي أجسادنا، وفي كل مشاعرنا. ومن أهم الآثار التي ستظل في نفسيتي، أنا هنا أتكلم على المستوى الشخصي، أن رمضان هذا العام عودني على الأكل البسيط، بحيث لا أقوم بأكل أكثر مما احتاجه، فعملياً بعد الصوم ستكون كم سحة تمر أو رطب مع شوربة أو لبن وشيء من السلطة كافية لتسد جوع بطنك، أنت هنا تحاول أن تستعيد حيوية معدتك التي أتعبها الأكل لمدة أكثر من ستين سنة، وتحاول قدر المستطاع أن تستعيد نشاطها لتواصل عملها الطبيعي من غير ارتفاع في السكر أو الكلسترول، أو ضغط الدم وغيره من الأمراض الناتجة عن الإفراط في الأكل. هذا من الناحية العضوية، أما على صعيد الناحية النفسية فأنت في رمضان عادة ما تكون أكثر مراعاة للصائمين مثلك والذين يمرون بنفس التعب الذي تمر، ولا تطلب منهم، وأنت مسؤول في مجال عملك عن مجموعة من الموظفين أو العمال، أن يقوموا ببذل طاقة أكبر في العمل الذي يؤدونه، أو تطلب أكثر من العمل الروتيني المعتاد، فيكفي أن يقوم من يشغل وظيفة ما، أية وظيفة، في أداء عمله بصورة جيدة، دون ضغوط أكثر من المدير أو صاحب العمل أو الشخص المسؤول. النقطة الأكثر أهمية، بالنسبة لي في رمضان، هي الطاقة الروحية الهائلة التي يخلقها هذا الشهر وتخلقها طبيعة الصيام. وأنا أرى، من خلال خبرتي الحياتية، أنه كلما قل أكلك ارتفعت روحك، من هنا تسمع هناك من يقول؛ إنني أشعر بخفة جسدي، وهذا صحيح، فالأكل، أحياناً إلى درجة التخمة، يجعل الإنسان خاملاً ذهنياً ولا يستطيع التفكير، وهذا صحيح من الناحية العلمية التي تقول إن أكثر الدم يذهب إلى المعدة ليساعد على عملية الهضم، فيما يصل الرأس أقل القليل، مما يجعل العقل أضعف من أن يقوم بعمليات معقدة مثل عملية التفكير. الصوم الصحيح يساعد الكثيرين على التخلي عن بعض العادات السيئة التي يقومون بها قبل رمضان، والابتعاد عن ممارسة أي عادة من هذه العادات، ولمدة طويلة، يساهم في التخلص منها نهائياً، ونحن لو قمنا بتوجيه سؤال للعديد من الناس الذين تخلصوا من عاداتهم، خاصة في شهر رمضان، لقالوا إن شهر رمضان قام بذلك، يكفي أن نلتفت إلى موضوع السمنة، أنت لا تحتاج للتخلص من كرشك أو من الشحوم الزائدة من خلال عمليات شفط أو غيرها، إنما بالصيام في رمضان أو خارج شهر رمضان، إن قمت بذلك ستكون قد تخلصت من معاناتك من الشحوم الزائدة. إن العبادة في شهر رمضان ترفع الطاقة الروحية إلى أعلى درجاتها، قراءة القران، الاستماع اليومي للمواعظ والأناشيد الدينية، متابعة الكتابات التي ترسل إليك من الأصدقاء حول بعض الأمور الروحية والعلاقات الإنسانية ومعاملة الآخرين كما تحب أن تعامل، والتسامح وكسر حدة الغضب، كلها تعطيك قوة هائلة وتسمو بك وتبعدك عن الروتين اليومي. قلت ذهب رمضان ولكن بقت آثاره تعيد تخطيط حياتنا القادمة. اللهم أعطنا العمر لنعود لصيام رمضان القادم.