شد وجذب بين واشنطن والحكومة العراقية من جهة وحكومة طهران من جهة أخرى، تبدأ التصريحات بإعلان طهران عدم ممانعتها التعاون مع واشنطن من أجل القضاء على «الإرهاب» في العراق، وتعلق واشنطن أنها ترحب بالتعاون مع إيران لتحقيق الهدف نفسه. ثم تدخل الرياض على الخط فتعلن أن ما يواجهه العراق يأتي نتيجة سياسات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الإقصائية والتي اعتمدت على نهج الإرهاب، فيرد المالكي غاضباً بأن الرياض هي سبب الإرهاب في الأراضي العراقية، فتصف واشنطن تصريحات المالكي تجاه الرياض بالعدائية. واشنطن ترى أنها لن توجه ضربات عسكرية ضد الثوار في العراق، ولكنها تتراجع وتؤكد استعدادها لتوجيه ضربات جوية بالطائرات من طيار أو بدون طيار طبقاً للظروف الميدانية، وبعدها تؤكد استعدادها لإرسال 300 مستشار عسكري لدعم حكومة المالكي. لاحقاً يدعو الرئيس الأمريكي باراك أوباما المالكي بالابتعاد عن الطائفية، وتظهر رئيس لجنة الاستخبارات بالكونغرس الأمريكي لتؤكد أن المالكي لا يصلح للمرحلة المقبلة بسبب عدم قدرته على استيعاب كافة الطوائف في العراق، وبات يمثل تهديداً للمصالح الأمريكي في الشرق الأوسط. يظهر مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي ويعلن معارضته التدخل العسكري الأمريكي المحتمل في العراق! ما نتحدث عنه لا يمثل فترة زمنية طويلة، بل هي تحولات ومواقف تتبدل وتتغير سريعاً خلال أقل من أسبوع، واللافت عدم وجود رؤية أو تفاهمات إقليمية أو دولية تجاه الثورة العراقية الراهنة. فبين المخاوف والطموحات خيط رفيع من الصعب المساس به، طهران لا ترغب في خسارة نفوذها الهائل في الأراضي العراقية، وواشنطـــن لا ترغــــب بخســـارة حلفائها التقليديين «دول مجلس التعاون الخليجي» أكثر مما تعانيه اليوم من فتور شديد في العلاقات البينية، وهي في الوقت نفسه لديها مصالح استراتيجية بتحالفها الجديد مع مكون مغمور سابقاً في بغداد بعد أن ساهمت على تمكينه في الدولة العراقية. العراق يعيش في موجة من الفوضى الخلاقة هي مجرد بداية نحو تقسم العراق الذي يفترض أن يكون خلال السنوات العشر المقبلة، لأن النظام الديمقراطي الذي تم بناؤه هناك نظام غير شرعي، وغير قادر على استيعاب مكونات المجتمع العراقي المتعددة، وفي ظل ممارسات إقصائية وإرهاب وسياسات اجتثاث على مدى عقد كامل من الاستحالة بمكان أن تتقبل هذه المكونات بعضها بعضاً، أو حتى يكون النظام السياسي قادراً على استيعابها جميعاً بشكل متوازن.