رغم الاهتمام الكبير بالأزمة الإسكانية خلال السنوات الماضية، ورغم الدعم الخليجي المقدم بشكل رئيس للمشاريع الإسكانية، نجد أن هذه الأزمة آخذة في التفاقم بسبب قرارات غير مدروسة، وصل بعضها إلى حد غير معقول وغير مقبول.. ويبدو بشكل جلي أن هناك سوء فهم كبير لدى الوزارة في تفسر بعض المواد الدستورية استخدامها بشكل سيئ للغاية.
أول مشكلة تواجه المواطن عند تقديمه للوحدة السكنية هي دمج راتب الزوج والزوجة، فإذا كان هذا الدمج يصل إلى أكثر من 900 دينار فإنك غير مستحق للوحدة الإسكانية، وهذا أمر عسير بالفعل، وظلم فاحش أوقع ضرراً بالآلاف من المواطنين، بسبب إقحام راتب الزوجة دون وجه حق، لا شرعاً ولا عرفاً ولا قانوناً.
الأمر الخطير جداً متعلق بالمادة «9/و» من الدستور والتي تنص على «تعمل الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود»، فالوزارة تعمل وكأنها معنية فقط بذوي الدخل المحدود أما بقية المواطنين فغير مهم خدمتهم! أي قانوني منصف يقرأ هذه المادة يعي جيداً أن النظام الإسكاني المتبع حالياً لا يعني ذوي الدخل المحدود، بل هذه المادة الدستورية تنص على تقديم السكن لهم بالمجان واجب، وأن تعمل الدولة بشكل دائم ودؤوب على توفير السكن الملائم لهذه الفئة، أما فئة الدخل المتوسط فما فوق فتعمل الدول على تسهيل حصولهم على الوحدة السكنية.
ما يجري حالياً أنه حتى ذوي الدخل المحدود يدفعون 25 عاماً قيمة هذا المنزل الإسكاني، وهو الأمر الذي يتعارض مع هذه المادة، ولولا المكرمات الملكية التي أسقطت قيمة الأقسام مرة تلو الأخرى لكانت هناك أزمة أخرى حول الأقساط الإسكانية.
الأمر الآخر أن المواطن الذي يطلب خدمة القسيمة السكنية «أرض» يدخل أيضاً ضمن قوائم الانتظار، ويا للعجب أنه حتى طالبي القسيمة السكنية يدخلون ضمن قوائم الانتظار.. لماذا لا تضع الوزارة نظاماً سريعاً لهؤلاء المستعدين لبناء منازلهم بأنفسهم ولكنهم لا يجدون أرضاً على وطنهم لبنائها؟ المواطن يجول بلاده ويرى مساحات شاسعة غير مستغلة إلا أنه يعاني من الإذلال وكأنه يطلب شيئاً مستحيلاً وأبسط حق له أن يحصل على قطعة أرض، إلا أنه يضطر للانتظار عقوداً من الزمن من أجل ذلك أيضاً.
الأمر الأكثر أهمية أن المشاريع الإسكانية التي ستتكفل بها دول الخليج عن طريق نظام الدعم الخليجي هل سيدفع المواطن أيضاً أقساطاً عنها؟ أليست هذه الوحدات منشأة من مساعدات خليجية لم تصرف الدولة شيئاً من ميزانيتها وكلفتها؟ لماذا إذاً تأخذ الأقساط من المواطن وكأنها تبيعه وتتاجر بهذه الأموال الخليجية؟.
منذ 2006 وحتى الآن، وبعد صدور التوجيهات الملكية بـ»أرض لكل مواطن» نرى أن القائمين على الإسكان زادوا المشكلة تعقيداً، وأنه كلما جاء وزير جديد جاء بمشاكل إضافية تزيد الملف عبئاً دون أن نجد حلولاً جذرية وقرارات تواكب تطلعات المواطنين وتتماشى مع القانون والدستور وواجب الدولة في هذا الجانب تجاه مواطنيها.
للأسف الشديد، أنه لا توجد متابعة حقيقية لموضوع أملاك الدولة المبعثرة، فمنذ طرح هذا الموضوع وإغلاقه لأسباب وظروف الأزمة، إلا أنه لايزال الملف الملح والمهم الذي يحتاج إلى علاج حقيقي من السلطات العليا في البلاد، من أجل ألا يكون ذلك على حساب المواطن بالدرجة الأولى، ونذكر أن التعديات التي حصلت على أملاك الدولة بحسب نتائج لجنة التحقيق البرلمانية ما يعادل 65 كيلومتراً مربعاً تصل قيمتها إلى 15 مليار دينار. ولا عجب.