هكذا يقول البعض؛ ويستند في قوله إلى ما يعتقد أنه أدلة تكفي لتأكيد هذا الاستنتاج، والبعض الآخر يقول عكس هذا؛ ويستند في قوله أيضاً إلى ما يعتقد أنه أدلة تكفي لتأكيد هذا الاستنتاج، أما الوفاق نفسها فلاتزال دون القدرة على حسم أمرها، تشارك أو لا تشارك، أو لعلها دون القدرة على اختيار الوقت المناسب للإعلان عن قرارها بالمشاركة في الانتخابات، فهي تبحث عنه.
شخصياً لا أتصور أن الوفاق الآن واقفة وبيدها غصن شجرة مليء بالأوراق تقطفها ورقة ورقة وهي تردد على طريقة الأفلام المصرية القديمة «بنشارك.. ما بنشارك..»، فقراءتي توصلني إلى قناعة ملخصها أن الوفاق اتخذت في سرها قراراً بالمشاركة، ولكنها تنتظر الوقت المناسب للإعلان عنه تحسباً لأمور لعل أهمها ضمان عدم غضب جماعة ائتلاف فبراير عليها وإخراجها من اللعبة كلها فتخسر الأخضر واليابس.
ما يمنع الوفاق من التصريح حالياً عن رغبتها وقرارها في المشاركة في الانتخابات المقبلة هو خشيتها من فقدها للشارع، والذي لم يعد لها دالة كبيرة عليه، وصار في يد ائتلاف فبراير، خصوصاً «الشيرازيين»، الذين لا يؤمنون إلا بالعنف ولا تعينهم خبراتهم إلا على رفض كل شيء باستثناء ما يريدونه هم، وهم ليسوا راضين عن الوفاق.
من يقول إن الوفاق اتخذت قراراً نهائياً بعدم المشاركة في الانتخابات يعاني من مشكلة في قدرته على قراءة الساحة. الوفاق تريد أن تشارك في الانتخابات النيابية والبلدية، وكل الجمعيات السياسية المحسوبة على «المعارضة» تريد أن تشارك لعلها تفوز ببعض المقاعد التي يمكنها الاستفادة منها في حراكها وتعديل موقعها، وهذا دونما شك تفكير سليم وواقعي.
ما يمنع الجمعيات السياسية التي صارت في جيب الوفاق من عدم الإعلان عن رغبتها في المشاركة هو عدم قدرة الوفاق حتى الآن على الكشف عن رغبتها في المشاركة تحسباً لردة فعل ائتلاف فبراير، فإن ضمنت أنها لن تغضب منها وتبعد الجمهور عنها فستعلن على الفور عن قرارها بالمشاركة، أي أن قرار الوفاق سيظل معلقاً ريثما توافق تلك الجماعة عليه فيتم الإعلان عنه، وهو ما أعتقد أنه سيحدث.
اعتقاد البعض أن الوفاق لن تشارك في الانتخابات دفعهم إلى التخطيط لترشيح أنفسهم في مختلف الدوائر بما فيها الوفاقية، استغلالاً للفرصة، وربما تحريكاً لـ»غيرة» الوفاق على الوطن.
إن عدم مشاركة الوفاق هذه المرة تعني أموراً كثيرة أبرزها: أنها لم تستفد من تجربتها في السنوات السابقة، وأنها تتيح الفرصة لمن هم أقل قدرة على العطاء وممارسة دور المعارضة في المجلس ليحتلوا مقاعده وينتجوا مجلساً قد يوافق الحكومة في كل شيء.
على الوفاق أن تعلم أن عليها مسؤولية وطنية ينبغي أن تقوم بها، وأن عدم مشاركتها في الانتخابات يعني أنها تهدف إلى الإساءة إلى المسيرة الديمقراطية، فإن فعلت ذلك فإن التاريخ لن يرحمها ولن يغفر لها، ليس لأن عدم مشاركتها سينتج بالضرورة مجلساً ضعيفاً، حيث التجربة أثبتت أن بعض نواب التكميلية في الفصل التشريعي الثالث الذي انسحبت منه الوفاق استجابة لنصيحة من لا يريد لها ولا للوطن خيراً كانوا أفضل من كثير من نواب الوفاق، والذين فرح بعضهم بصفة «سعادة النائب» وصار يتباهى بالجواز الخاص!
الانتخابات ستجرى في موعدها سواء قررت الوفاق ومن معها من جمعيات سياسية المشاركة أم عدم المشاركة، لكنها إن اتخذت القرار السالب فستكون هي الخاسر الأكبر في كل العملية، وهو ما لا أعتقد أنها ستقبل عليه، فما أراه هو أن لعاب الوفاق يسيل كلما ذكر اسم المجلس النيابي، والحال نفسه مع الجمعيات التي صارت تابعة لها.