نحتاج لأن نصلح هذا المجتمع وأن نتصدى لظاهرة «تجار الدين».. نحتاج أن نمنع من يتاجر بالسياسة باسم الدين وأن نطبق القانون عليهم

بمجرد قراءة العنوان قد «يكفرنا» بعضهم؛ وهذا معتاد -للأسف- في مجتمع بتنا نرى فيه كيف يتم تحويل الدين إلى «أداة» يلعب بها كل من يدعي التدين، ونقول هنا «يدعي» لأن الدين براء من الذين يستغلونه ويحاولون الصعود عليه كما «السلم»، أو يصنعون أتباعاً لهم ومريدين باسمه.
ملك المغرب منع أمس الأول الأئمة والخطباء وجميع المشتغلين في المهام الدينية من ممارسة أي نشاط سياسي، ومنعهم من اتخاذ أي مواقف سياسية أو نقابية، إضافة إلى منعهم عن القيام بكل ما يمكنه الإخلال بالسكينة والتسامح والإخاء في المساجد.
طبعاً مثل هذه القرارات حينما تحصل في بعض الدول، والكلام ينسحب على البحرين بالطبع، فإنك ستجد قطعاً صراخاً وعويلاً من كثيرين، وهذا له مبرراته، فالدين حوّله البعض بالفعل إلى «أفيون» يقدم للشعوب، من خلاله يعمل على فرض التبعية له ولمواقفه السياسية، وباتت فكرة «التخوين» أو «التكفير» هاجساً مقلقاً لدى شرائح عديدة في المجتمع، فبعض «تجار الدين» -ولن نقول رجال الدين- يوصلون الناس لمرحلة يخشون فيها مخالفتهم الرأي باعتبار أن هذه المخالفة مخالفة لله ولدينه ورسوله، وهذا والله مالم يدعُ له حتى قرآننا الكريم ولا نبي رب العباد.
لكن البعض -وهي حقيقة، قد يفعلها بدون إدراك- استحلى له استنساخ حقبة «هيمنة الكنيسة» على أوروبا في القرون الوسطى، وكيف كان رجال الدين يتحكمون في البشر باسم الدين، وكيف كانت عمليات «غسل الأدمغة» تحصل بشكل فاضح، وكيف كانت القرارات السياسية والمخططات تتم تحت اسم الدين.
لدينا يحصل ذلك، وضحل المعلومات وضعيف الملاحظة والمتابعة حتى يدركان ذلك، فكم منبر ديني يقف عليه «تاجر دين» لا «رجل دين»؟! كم منبر ديني يتم استغلاله لا للحديث عن الدين وتفقيه الناس فيه بقدر ما يستخدم للحديث عن السياسة والمكاسب الدنيوية والتحشيد وغسل أدمغة الناس؟! ولسنا نتحدث عن فئة معينة من رجال الدين، ولا رجال يمثلون مذهباً معيناً، بل هذا الاستغلال يحصل عياناً جهاراً. والآن سنقبل على مرحلة الانتخابات وسترون ما قد يحصل، باعتبار أن مسألة مناهضة الدولة والدعوة للانقلاب على النظام لها شواهد حاصلة ومازالت تحصل.
كان بعض رجال الدين «ينتقدون» بعض المناهج السياسية، بعض التوجهات الفكرية التي تدخل في نظم إدارة الدول والمجتمعات، وهنا لسنا نروج لهذه الأفكار بل سنوضح الفرق –للعقلاء فقط- وكيف يكون تناقض من «يتاجر بالدين»، فمثلاً كانوا يهاجمون «العلمانية» لأنها تقول بـ»فصل الدين عن الدولة» وبيان بأن العلماني كافر مخلد في النار. في المقابل البديل الذي يقدمونه هو إقحام الدين في الدولة وتطبيقه لا بما يخدم المجتمع ويحقق شرع الله، بل بما يعزز مكانة رجل الدين، ويا للحظ العاثر إن كان صاحب المكانة لا يتعامل بالدين من منطلق إيمان وقناعة تدفعانه للزهد بالدنيا والتمثل بفضائل الأخلاق، بل يتعامل من منطق أن الدين لديه حظوة وسطوة توصلان لامتلاك النفوذ والقوة.
هناك من لن يعجبه هذا الكلام، هناك من سيصرخ وينتقد وكأنك خرجت عن الملة، وهناك من سيناقش بعقلانية، النوع الأول رد فعله تثبت بأنه مستغل للدين لأهدافه الدنيوية باختلافها، والنوع الثاني تحترمه لأنه مثلك يبحث عن التمثل الأمثل بالدين بتعاليمه السمحة وأخلاقياته الرفيعة وسنة نبينا الرائعة.
نحتاج لأن نصلح هذا المجتمع أن نتصدى لظاهرة «تجار الدين»، نحتاج أن نمنع من يتاجر بالسياسة باسم الدين وأن نطبق القانون عليهم، وللعلم، القوانين موجودة لكن التطبيق غائب، وهنا يسأل من وضع القوانين ومن يفترض أن يطبقها!
والله الدين براء من هؤلاء، والله نعبد ربنا من دون هؤلاء، قال المولى: ادعوني أستجب لكم. وعليه، الإنسان لا يحتاج في دينه لأحد، إلا لرجل دين ناصح راشد إن استعصت عليه بعض الأمور. أبداً لا يحتاج إلى «تاجر دين» يحاول أن يسيطر على ناصيته أو يستملك إرادته باسم الدين.