الملاحظ أن هناك عادات وطقوساً في مجتمعاتنا الإسلامية، خاصة الخليجية، بدأت تطغى على شهر رمضان الفضيل الذي يأتينا مرة كل عام ويجدد الروح بأثير الطاعات والعبادات وبأجوائه الروحانية الجميلة. عندما نقول شهر رمضان الفضيل؛ فإننا نعني أنه شهر خصه الله عن غيره من الشهور بجملة فضائل، فهو الشهر الذي تصفد فيه الشياطين ويخصص للمسلم الصائم باب الريان الذي هو باب من أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وفيه رحمة ومغفرة وعتق من النار، وللأسف بات المسلمون فيه ينتهكون فضائله بأوجه مفاسد ومنكرات تدخل في إطار الروتين الرمضاني السنوي. فأمام تواضع بقاء المصلين حتى نهاية صلاة التراويح؛ نجد مقاهي الشيشة التي ازدادت خلال السنوات الأخيرة مملوءة على الآخر، وكأن شهر رمضان بات شهر الشيشة والسهر «استغفر الله»، تنافسها في ذلك الخيم الرمضانية التي تأتي بالمطربين ويتم في بعضها الدندنة مع الأغاني والرقص، وهناك من يتجه إلى المسجد لأداء صلاة التراويح والأغاني «تردح في السيارة! لا.. ويصورونها ويحطونها في برنامج سناب جات الهاتفي بعد، ويسوي إهداءات!». وأمام ظاهرة فتيات لا يعرفن العباءة وارتداءها إلا في رمضان؛ هناك غيرهن بتن للأسف يتخلين عن ظاهرة ارتداء الحجاب والعباءة في رمضان بالاستمرار في لبس ملابسهم التي قد لا تتناسب مع فضائل هذا الشهر الكريم ومظاهر الصوم، خاصة المعتادة على لبس الملابس القصيرة ووضع المكياج بدعوى «المكياج لا يفطر!»، غفل الناس بأن الصوم ليس الامتناع عن الطعام والشراب وإنما عن مختلف المظاهر التي تجلب الذنوب، وليس بتأجيلها إلى ما بعد الفطور وإنما تعويد النفس طيلة أيام هذا الشهر الكريم وترويضها باستبدال الأمور التي تجلب الذنوب بالحسنات، فرمضان يعد فرصة للتغيير وباب من أبواب العطاء والتوبة. الجيل الجديد لم يعد مشغولاً بشراء «الجراخيات» المفرقعات كما كان يفعل جيل «راحوا الطيبين»، بل بات مشغولاً بالاتصالات التلفزيونية وإرسال الرسائل النصية للبرامج الجماهيرية التي لا تحمل سوى استخفاف بفضائل هذا الشهر وتسقط احترامه وهيبته وتشغل الناس عن العبادة والطاعة بالسهر ومتابعة مقدمي برامج المسابقات، خاصة المذيعات اللواتي بات رقصهن وحركاتهن البهلوانية وتوزيعهن للقبل على الهواء مباشرة أكثر من كلماتهن للمشاهدين. مؤسف أن نجد شرائح كبيرة من شبابنا «يحرقون» ساعات طويلة من يومهم الرمضاني وهم مشغولون بإنتاج المقاطع التي تسخر من البرنامج الفلاني أو المذيعة الفلانية، أو كتابة تغريدات وإيجاد تصاميم و«هشتاقات» على التويتر لا مضمون لها «ولا سالفه» غير الكلام الفاضي والتافه عن رأيهم في أداء ذاك الممثل والحلقة وملابس تلك الممثلة، بدلاً من استثمار وقتهم وتسخيره في ما يجلب لهم الحسنات ويزيدها وتجنب مثل هذه التفاهات والملهيات. ومن المؤسف أن نلحظ أيضاً ظاهرة الاهتمام بتحميل المسلسلات التلفزيونية التي يفوت عرضها بسبب ازدحام الوقت بمسلسلات أخرى تعرض في نفس التوقيت من موقع اليوتيوب، بدلاً من قضاء الوقت في قراءة القرآن وتدبره، والأشد أسفاً أن نجد الفتيات والنسوة لا هم لهم سوى التفنن في ابتكار الأطباق الرمضانية والبحث عنها من خلال موقع الانستغرام والمنتديات الإلكترونية، بدلاً من تخصيص هذا الشهر للتبحث أكثر في أمور الدين والاستزادة بعلومه وبحور عباداته واستيعاب أنه شهر للفضائل لا للولائم. رمضان هذا العام لم يعد رمضان العبادات والصلوات بقدر ما غدا رمضان الانتخابات والمباريات -مباريات كأس العالم-، التي باتت العيون «محولة» بها، تتسمر أمام التلفاز ساعات طويلة تتحمس على هجمة ومحاولة تسديد، في حين لم يوقظها حماس أهلنا في العراق وهم يجاهدون ضد طائفية المالكي وأعوانه، ولا في غزة المنكوبة تحت الحصار والدمار. عفواً.. على العرب إدراك أن المباريات الساخنة وأروع البطولات تجري الآن بالعراق وغزة لنيل كأس عروبة العالم العربي المفقود، عفواً أيضاً رمضان ليس فرصة استثمارية لملء المجالس الرمضانية بالدعايات الانتخابية وأخبار المرشحين ونسيان أن رمضان يحمل فرصة كبيرة للترشح لنيل غفران الله لكل ما تقدم من الذنوب إن صامه المسلم كاملاً مجتهداً عابداً. من الظواهر الرمضانية الجديدة والمؤسفة في نفس الوقت أن نجد «طفرة الوجاهة الاجتماعية» المتمثلة في إقامة الغبقات اليومية أو الأسبوعية، وملئها بما لذ وطاب من الأطباق التي يرمى نصفها في القمامة، يرمى للأسف في حين لا نجد اجتهاداً مماثلاً في إخراج الصدقات وتزويد المنازل المحتاجة بالطعام والمال، هناك من هو مصاب بتخمة الطعام ويعاني من فقر موعظة الصيام، والتي تحمل فائدة الشعور بالفقراء ومن ثم مساعدتهم لا الاهتمام بشعور أصدقائه ومجاملتهم، وهناك من يعتقد أن إخراجه لصدقة او صدقتين في رمضان تجعل القلم مرفوعاً عنه في ما يمارسه لاحقاً من صرف وبذخ في «الغبقات» والولائم التي من الممكن اختصارها والتقليل منها وتوفير شيء من موازناتها للاستمرار في مساعدة الفقراء وإطعامهم. هناك من يعتقد أنه لا يمكن أن «يحلل» رمضان ويمر في أيامه إلا بعد أن يقضيه في السهر على التلفاز وضغط «لايك» على كل مسلسل تلفزيوني، بحيث من غير اللائق «وبرستيجه الرمضاني ما يسمح» أن يتحدث أحدهم أمامه عن مسلسل وهو لا يعرفه أو يحمل فكرة عنه، مقابل أشخاص يتخذون قرار إغلاق التلفاز وجميع حساباتهم التواصلية وعدم فتحها إلا بعد انتهائه في سبيل الدخول في جو الاعتكاف الروحاني الرمضاني، هناك من يجتهد للسفر إلى دول خليجية مجاورة لشراء مستلزمات العيد وهناك من يجتهد للذهاب إلى عمرة رمضانية يحصد وراءها الأجر الكبير الذي يعادل حجة. رمضان فرصة للتغيير ومعادلة جميلة لمن يعرف اغتنام الفرص، واستثمار هذا الشهر بأيامه الثلاثين الفضيلة في إيجاد مظاهر إيمانية جديدة ومبتكرة تبعده عن روتين المظاهر الرمضانية التي تلهيه عن روحانيته ومكاسب الأجر فيه.