يبدو أن قطاع غزة بات لقمة سائغة وسهلة جداً في فم العدو الصهيوني، وذلك بعد مقتل ثلاثة من المستوطنين الصهاينة، وهي الذريعة الكافية أيضاً من أجل أن تقوم عصابات اليهود بقصف هذا القطاع الذي يعاني أهله منذ فترة طويلة من انقطاع الماء والكهرباء والرواتب، كأنما كان ينقص هذا القطاع المهمل هو استمرار قصفه بالطائرات.
كل الذين توعدوا بالرد المزلزل على رؤوس الصهاينة، سواء كانوا من الجماعات المسلحة أو حتى الدول أو غيرهم، لم يوفوا بعهدهم الذي عاهدوا به أنفسهم وعاهدوا فيه عشاقهم ومحبيهم وأتباعهم، ففلسطين ليست في أجندتهم القتالية على الإطلاق، وأن الرصاصات التي بحوزتهم أصابها الصدأ، فمنذ سنين ونحن نسمع عن زلزالهم ولكننا لم نرَ سوى كلامهم!
أما كثير من الفلسطينيين الذين يملكون رغبة الموت والقتال فإنهم اختاروا الجهاد خارج فلسطين، فتوزعوا في أقطار عربية من أجل القتال أو الاقتتال، فقتل منهم الآلآف تاركين وراء ظهورهم وطنهم السليب يضج بالقهر والويلات والمحن. هم من أشرس المقاتلين لكن في المعركة الخطأ، وهم من أداروا ظهورهم للعدو الصهيوني متجهين إلى دول عربية أخرى من أجل الموت لأنهم فقدوا البوصلة، ولم يرتبوا أولوياتهم الجهادية بالطريقة التي ربما تستفيد منها فلسطين.
الشعوب العربية اليوم مشغولة بأزماتها، ومشغولة كذلك بكأس العالم في البرازيل، أما الدول العربية والإسلامية فإنها تقاتل من أجل مكتسباتها ومن أجل بقاء أنظمتها حية ترزق، بينما الجامعة العربية لم تصدر حتى كتابة هذه الأسطر أي بيان يدين الكيان الغاصب للقدس في حربه ضد المدنيين في قطاع غزة ولو بربع كلمة، فحتى البيانات الورقية وكلمات الشجب والاستنكار أصبحت أغلى من فلسطين!
رجال الدين الذين يثرثرون ويدفعون بشبابنا العربي نحو محارق الطائفية أو نحو الاقتتال الإسلامي - الإسلامي من الذين يجمعون الملايين ليدفعوا بها نحو جيوبهم وجيوب حواشيهم، لم نجد منهم سوى الدعاء لأخوتنا في القطاع، ومن هنا يمكن لنا أن ندعو لعلماء الدين المنتفخين بأموال الزكوات أو المرابضين في عواصم الدول الأوربية لنقول لهم «كثر الله خيركم» وبصراحة «ماقصرتوا» فجهادكم وصل.
حين يكون المشهد العربي والإسلامي بهذه الصورة المخزية، وهو المشهد الواضح في عيون الصهاينة منذ أمد بعيد جداً، هل ستتردد بعد ذلك تل أبيب في قصف قطاع غزة منذ الآن وصاعداً؟ وهل ستولي أهمية للمشاعر الحساسة عند العرب أو لدعوات علمائهم الرومانسية ضدهم؟ أم أنه الواقع العربي المغشوش المكسور المهزوم الخائب؟ هل هو الواقع المزري الذي صنعناه بأيدينا وبأيدي أعدائنا الغربيين؟ أم أنها نهاية حقبة الكرامة؟ على الرغم من شكوكنا المشروعة في أن الكرامة كانت في يوم من الأيام «عربية» فواقعنا يكذب كتب التاريخ العربي.. والله أعلم!!