كيف تحولت العلاقة بين إيران وأكراد العراق من علاقة تحالف إلى علاقة عداء؟ ربما هذا التساؤل يراود اليوم بال كثير من المتابعين للشأن العراقي، والكردي منه تحديداً، خصوصاً بعد أن أعلن رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، الحليف التاريخي لإيران وشيعة العراق خاصة، عن عزم الأكراد إجراء استفتاء على تقرير مصير كردستان العراق عما قريب، وما أثاره هذا الإعلان من غضب لدى إيران وحلفائها شيعة العراق معاً، وذلك كون القرار الكردي قد جاء في ظل ظروف حالكة للغاية يمر فيها النظام الإيراني وربيبه رئيس الحكومة الشيعية في العراق نوري المالكي.
لقد ارتبطت الحركة الكردية في العراق بعلاقة استراتيجية مع إيران بعد إسقاط جمهورية مهاباد الكردية، والتي تأسست في إقليم كردستان إيران، وكانت عاصمتها مدينة مهاباد الواقعة في أقصى شمال غرب إيران، وكانت دويلة قصيرة مدعومة سوفيتياً كجمهورية كردية أُنشئت سنة 1946، وكان الملا مصطفى البارزاني «والد مسعود» وزيراً للدفاع في تلك الجمهورية التي لم تدم أكثر من 11 شهراً، وتم إعدام زعيمها القاضي محمد بعد الانسحاب السوفيتي من شمال إيران.
لقد عملت إيران في عهد الشاه على التحالف مع أكراد العراق وقدمت لهم -بالتعاون مع إسرائيل- كافة أنواع الدعم واستخدمتهم كأداة لإشغال العراق عن الحرب مع الكيان الصهيوني من جهة، والضغط عليه للتنازل عن نصف شط العرب لإيران. وعندما جرى عقد اتفاقية الجزائر عام 1975 وتنازل العراق بموجبها عن نصف شط العرب لإيران، أوقفت طهران دعمها للأكراد وأجبرتهم على الموافقة على قبول قرار بغداد بمنحهم الحكم الذاتي.
وبعد قيام الثورة الإيرانية وسقوط حكم الشاه واندلاع الحرب الإيرانية ضد العراق، عاودت إيران الخميني تحالفها مع الأكراد وقامت بدعمهم ضد بغداد، وتعاون كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني وحزب الاتحاد الكردستاني بزعامة جلال الطالباني مع طهران رغم ارتكاب نظام الخميني أبشع الجرائم بحق أكراد إيران وقتل عدد من أبرز قادتهم، عبدالرحمن قاسملو وصادق شرفكندي، إلا أن ذلك لم يؤثر على علاقة أكراد العراق بإيران؛ بل إنها كانت من عوامل التحالف القوي الذي قام بين الأكراد وبين المعارضة الشيعية المعادية للدولة العراقية آنذاك.
واليوم وحيث يمر العراق بمرحلة جديدة على صعيد مستقبل وحدته الجغرافية والسياسية نتيجة الثورة الكبرى التي أشعلها العرب السنة ضد حكم الطائفة الشيعية التي استأثرت بحكم العراق وحولته إلى ولاية تابعة لنظام الولي الفقيه الإيراني، تفاجأت طهران بموقف حليفها التاريخي مسعود البارزاني، والتي كانت تعتبره بيضة القبان في مشروعها الرامي لجعل بغداد في قبضة أتباعها إلى الأبد.
فمع تقدم الانتصارات التي تحققها ثورة أهل السنة والتراجع والانكسار في صفوف قوات الحكومة الشيعية، قد تتدخل إيران في العراق بحجة حماية القبور المقدسة بعد أن تحصل على الضوء الأخضر الأمريكي، كما فعلت في سوريا، ولكن هل يمكنها منع الأكراد من الاستقلال ومنع قيام الدولة الكردستانية التي وعد بها مسعود بارزاني؟
إن إيران اليوم لا تريد إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط لأنها الخاسر الأول من تغيير خارطة سايكس - بيكو، وسوف تقاتل بشدة للحفاظ على هذه الخارطة، وهذا ما جعلها تصبح بين نارين؛ نار القبول بخارطة العراق الجديد، ونار الدفاع عن خارطة سايكس - بيكو التي طالما هاجمتها واعتبرتها عائقاً في إقامة الوحدة الإسلامية المزعومة التي اتخذتها شعاراً لأهداف وغايات سياسية، وعملت كل عام على عقد المؤتمرات الداعية لإقامتها.
فأي خارطة سوف يختار الولي الفقيه؟