تصريح يلمح ويلوح وهو تصريح وزارة الخارجية الأمريكية التي تركت العالم بجملته وتفصيله وتفرغت للبحرين؛ مرة تترصد ومرة تتوعد ومرة تحث ومرة تبث، وها هو تصريح فيه شك ودسيسة تحت عنوان «الخارجية الأمريكية ترحب بتبرئة خليل مرزوق وتحث على المشاركة في الانتخابات وتشكيل الحكومة».
الولايات المتحدة ترى أنها اطمأنت واستقرت على أن هناك انتخابات ستشارك فيها الوفاق، وبعدها يأتي تشكيل الحكومة التي هي الهدف الذي تسعى إليه أمريكا لكي تطمئن أن خريطة الشرق الأوسط الجديد تعود إلى خط مسارها بعد مشاركة الوفاق الانتخابات ومن ثم يكون لها النصيب في تشكيل الحكومة، النصيب المرضي بالنسبة لأمريكا التي أصبحت تغطس بكامل جسمها وثقلها في تراب البحرين كي تغير أرضيته التي ستكون الممر الأول لتفتيت الخليج العربي إلى دويلات وجزيئات، إذ إن أمريكا لا يكون لها كيان طالما ظلت دولة عربية قوية، لأن ذلك يحد من توسعها ويقطع آمالها في السيطرة على آبار النفط، إذ يمكن أن تحصل على نفطها بالمجان مثل ما تحصل عليه من العراق بالمقاسمة مع إيران ومع رئيس الحكومة العراقية التي تسعى أمريكا لتأسيس مثلها في البحرين، حيث لا يمكن أن تنجح أمريكا بخطتها طالما ظلت حكومة خليفة بن سلمان، والتي أشارت إليها في بيانات مبطنة تحمل بين سطورها وصورها وتنفيذها، مثلما أشارت إليها في هذا البيان بقولها «الحث على مشاركة الوفاق وتشكيل حكومة»، والذي يحمل تحته كثيراً من التوقعات والتي قد يكون منها ما تضمنته نتائج الحوار التي كانت بدايتها التبرئة.
وإننا مازلنا نقول ونعيد أن البيانات الأمريكية في شأن البحرين تثير غضب الشارع البحريني وتؤججه وتقتل آماله وتحطم مستقبله، عندما يستشعر هذا الشعب بخطر هذا التدخل الأمريكي وما سيؤول إليه الوضع ويكون له الغد، فهذا الشعب الغيور الأبي يرفض أن تملى على بلاده توجيهات، كما إنه يكره أن يسمع أو يقرأ بيانات تشير وتحث وتبث لأنه ليس من حق أمريكا إطلاقاً أو غيرها من قوى، مهما بلغت قوتها، أن تفتح فمها بكلمة أو تخط في البحرين جملة، الولايات الأمريكية اليوم تتثاءب وتتمغط وتتلعثم عندما يعرض عليها الملف السوري.
بينما تهب وتنشط مؤسساتها وخارجيتها وداخليتها لأجل تبرئة شخص ليس أمريكياً ولا أوروبياً؛ بل شخص يخدم مصالحها، فتحتفي به وتتهلل أساريرها وتستيقظ أحاسيسها، هذه الأحاسيس التي تموت وتتبلد أمام استخدام النظام السوري لأسلحة كيميائية في حربه على شعبه، لم تتعدَ ردود فعلها تجاهه بيانات «الحث والرجاء».
وها هو تقريرها يقول «حثت الولايات المتحدة كلاً من سوريا وروسيا إلى التأكد من تسليم باقي مخزون الأسلحة الكيميائية السورية إلى مفتشي الأمم المتحدة للتخلص منها»، فهذه هي أمريكا إذا أرادت أن تبقي على حكومة ونظام وتتغاضى عن قتل مئات الآلاف من الشعب بيد نظامه، وإذا أرادت التخلص من نظام اختلقت تقارير كاذبة كما حدث في العراق فقلبت نظامه واستبدلت شعبه؛ بل استبدلت حتى لغته وعقيدته وجاءت بشعب آخر لم يكن يوماً له مكان على الخريطة ولا له سجل وتاريخ في وثيقة وجعلت منه شعباً وبرلماناً ورئيس حكومة، والشيء ذاته تحاول فعله في البحرين، لكنها عندما صدمت بحكومة قوية لا تستطيع خلع بابها، هذا الباب الذي يمسك به خليفة بن سلمان كي تبقى البحرين عربية خليفية عصية على أعدائها الذين يسعون لتغييرها وتبديلها إلى دولة صفوية، فما كان إلا أن جاءت أمريكا بأشخاص وأسماء كي تصنع منهم شخصيات وطنية لتفرضهم على الدولة وتسبغ عليهم صفة رسمية وتكسبهم هيبة ومكانة لتجعل منهم نداً قوياً قد تدفع بهم ليكونوا جزءاً من الحكومة، ولا يضيرها أن تنتظر حتى الغد كي يصير على رأس الحكومة.
إذاً نأتي هنا إلى ما جاء في البيان، فحكومة خليفة بن سلمان هي العارض والقاطع بين خارطة الشرق الأوسط الجديد وتدشين نظام حكم موالٍ لطهران تتعامل معه أمريكا بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع العراق، حكومة حتى لو فاق عدد القتلى من شعبها مليوني شخص تبقى في نظر الخارجية الأمريكية حكومة ديمقراطية، يسمى فيها الثوار إرهابيين تتعاون أمريكا مع حكومتهم لإبادتهم، فهذا الفرق بين حكومة تقف سداً منيعاً في وجه الشرق الأوسط الجديد وبين حكومة تكون الباب الوسيع تفسح الطريق لتنفيذ حدود ونقاط التفتيت بدءاً من البحرين حتى آخر دولة خليجية.
- للدولة..
لن تحتفي أمريكا طويلاً ببراءة خليل مرزوق، فالقضية بالنسبة لها بيان وانتهى، لأن هناك فصلاً جديداً تم تدشين افتتاحيته على صفحات الصحيفة المتحدثة باسم الوفاق، هذا الفصل يبدو أنه سيكون ساخناً لأنه ستدخل المنظمات الحقوقية الأجنبية مرة ثانية لتبدأ جولة جديدة من الزيارات وحلقة طويلة من البيانات، وهكذا تستمر المؤامرة.