للناس في رمضان عادات قديمة متجددة لا فكاك لهم منها ولا دور ولا تأثير للوعي بتغييرها أو بالحد من اندفاعهم نحوها، من هذه العادات الاعتقاد بأن جوع الصوم يحتاج إلى تعويض يماثل ما فقده الصائم إن لم يكن أكثر...
ولإحداث هذا التعويض يقدمون على إعداد وطبخ أنواع وكميات كبيرة من الطعام والمقبلات والحلويات، ليكتشفوا بعد الإفطار وإشباع البطون أن 60% مما أعدوه من طعام أصبح زائداً وجب عليهم إما أن يوزعوه أو يرموه في كيس القمامة.
من هذه العادات كذلك الاعتقاد بأن الإقبال المبكرعلى شراء احتياجات رمضان مطلوب وملح حتى يمكن الإفلات من أي نقص في السلع الرمضانية في الأيام الأولى من رمضان، وأن هذا النقص إذا حدث فسيؤدي حتماً إلى شح السلع المطلوبة ومن ثم ارتفاع أسعارها.
فإذا تزامن هذا التخوف والتحوط مع توفر السيولة المالية في اليد بعد قبض الراتب، فإن هذا العامل يؤدي إلى تعزيز الحاجة إلى شراء كل الاحتياجات اليوم والنقود في اليد، خيراً من الوقت الذي تصبح فيه الحاجة للشراء والنقود غير متوفرة.
بالمقابل نلاحظ أن جميع الجهات المسؤولة عن توفير سلع رمضان والسلع الغذائية الأخرى بشكل عام يرددون مع اقتراب حلول شهر رمضان أغنية واحدة، وبلحن روتيني ممل: لقد عملنا على توفير كافة السلع وكل الكميات المطلوبة من سلع رمضان بل إننا وفرنا منها ما يكفي لـ6 شهور وأكثر، اطمئنوا ولا تخافوا من النقصان واشتروا ما طاب لكم...
وبين حمى الاندفاع نحو الشراء، وحمى الاندفاع نحو عرض السلع وادعاء خصوصية العروض في رمضان يأتي دور الجهات المسؤولة عن حماية المستهلك، فهذه السلع تصبح معروضة في محلات السوبر ماركت الكبيرة وفي الدكاكين والبقالات الصغيرة المنتشرة في الأحياء، وكذلك معروضة لدى الباعة المتجولين والذين يفرشون في الشوارع أمام وخلف الأسواق العامة والمساجد بل وحتى داخل الأسواق المركزية.
وفي كل هذه المحلات والأماكن وفي هذا الوقت يحدث التلاعب بالأسعار وزيادتها ويحدث الغش بعرض سلع قديمة من رمضان الماضي، وعرض سلع غير مخزنة ولا مبردة صحياً، وغيرها من المخالفات المسؤولة عنها وزارات الصناعة والتجارة، الصحة، البلديات وهي مسؤولية كبيرة ومتعددة الوجوه تحتاج إلى جهود مكثفة لضبطها وتوفير الحماية اللازمة للمستهلك، مسؤولية لا تنفع معها وثيقة التجار ولا إلقاء تبعتها على الجهات الأخرى.