لا يمكن أن ينكر العرب أن ما حصل في العراق منذ الماضي القريب كان مطباً تاريخياً كبيراً لهم، أوجد من بينهم أرضاً خصبة لاستزراع المؤامرات وإقامة المعسكرات التدريبية التي تصدر الإرهاب إلى كل المنطقة العربية، تبعاً لموقع العراق الاستراتيجي المهم ولكونه بلداً يجسد أحد منافذ الخليج ومنطقة الشام من جهة، ومن جهة أخرى كونه بلداً يفصل العرب عن إيران التي وجدت في سقوط نظامها السابق غنيمة ما بعدها غنيمة في إرساء قواعدها الإرهابية بشكل رسمي وفي الزحف داخلها، ونصب آلات القتل العلنية على أيدي جماعاتها في العراق وتمرير الأسلحة والمتفجرات إلى الدول التي تستهدفها أمنياً.
إيران وجدت في أرض العراق، والتي كانت صمام أمان للخليج والعرب سابقاً، معبراً لها لتكون قبلة مقدسة يقصدها الشباب المغرر بهم، والذين تعود انتماءاتهم الطائفية والمذهبية لمراجعها الدينية لتدريبهم وجعلهم قادة إرهابيين في الدول الخليجية، لاسيما البحرين والكويت والسعودية، كذلك الدول العربية؛ سوريا ولبنان وفلسطين ومصر واليمن، وهي لاتزال مستمرة في بث خلايا الإرهاب بعد تجنيدهم وإخضاعهم لبرامج تدريبية وعقائدية مكثفة للعودة إلى أوطانهم وممارسة الإرهاب كسفراء للمشروع الإيراني الإقليمي في المنطقة العربية بكل راحة ويسر طالما الباب العراقي كان مشرعاً.
ما يحصل في العراق اليوم أشبه بما حصل في فلسطين، فالأخيرة احتلت على يد بني صهيون لإقامة دولة باتت اليوم تهدد أمن المنطقة العربية، وتقوم على جثث ودماء شعبها الأعزل، وتقتلع منازلهم ومناطقهم لتوطين جماعاتها الصهيونية، ولا يمكن إنكار وجودها ككيان محتل قائم على أرضنا العربية لم يعد بالسهولة اقتلاعه وإنهاؤه، حيث باتت كل محاولات العرب في تحريرها وإعادتها كدولة عربية في مهب الريح.
السيناريو الحاصل في العراق اليوم سيكون نسخة من التجربة العربية الفلسطينية إن لم يتداركها العرب وحكام الخليج بالذات سريعاً، العراق اليوم مختطفة ومحتلة من قبل ميليشيات إيران، وما الدولة العراقية فيها إلا واجهة شكلية تقبع وراءها الأجندة الإيرانية والمخططات الطائفية التي تطمح إلى تغيير تركيبة العراق السكانية وهويتها الثقافية والتاريخية، وتحويلها إلى كيان محتل يجسد مملكة فارسية تمحي كل آثار العروبة فيها، وهو شيء يدركه شيعة العراق العرب قبل أهلها السنة، وهو ما يفسر وجود الانقسامات في صفوفهم إلى جانب ما يواجهونه من تحديات كردية زرعت فيما بينها أيضاً مخططات إيرانية، وعملت على إغراء بعض عناصرها بالاستحواذ على مناطق أكثر ومد نفوذهم السياسي والاجتماعي إلى داخل العراق وتأسيس دولة العراق الكردية، وهو ما جعل الجماعات السياسية فيها متناحرة إلى أقصى حد على حساب الشعب العراقي الذي بات مجرد أداة تستغل ويفتك بها على يد هذه الجماعات.
وللعلم تغيير تركيبة العراق الثقافية من عربية إلى إيرانية سيكون له تأثير طويل المدى على الثقافة الخليجية العربية في دول الخليج، وسيعمل على دعم المخطط الإيراني لمنطقة الخليج أكثر، فالعراق خليجية ثقافياً وعربية جغرافياً، لذا فإيران مستمرة في محاولة تغيير هوية العراق واحتلالها بالكامل وسحق شعبها العراقي الأعزل، وما يصرح به رئيس وزرائها نوري المالكي من جهوده في اقتلاع الإرهاب ومحاربته لا معنى له وهو ترقيع شكلي أمام دول العالم التي باتت بحاجة ماسة لمطالعة مجازره الطائفية تجاه الشعب العراقي، خاصة نساءه وأطفاله، من خلال دعم الإعلام العربي للقضية العراقية وتداول الملف العراقي كقضية مصيرية لكل العرب، كما إن أول خطوة لاقتلاع الإرهاب هي الإطاحة بالمالكي أصلاً وتحرير العراق من بطشه وجوره حتى ينهض الشعب العراقي من جديد بنفسه ويستعيد العراق العربية لا العراق الإيرانية التحكم.
كثير من المحليين السياسيين العرب يرون أن استقرار وأمن مصر من استقرار وقوة المنطقة العربية، غير أنهم أسقطوا من حساباتهم أن العراق تمثل قوة مركزية لا يستهان بها أيضاً، تتساوى في أهميتها مع أهمية مصر وما تعنيه للمنطقة العربية، فإن كانت قوة مصر تتمثل في جيشها وقوتها الأمنية فقوة العراق تضاهيها من ناحية قوتها الجغرافية والتاريخية.
كان ينتظر العرب استثمار سياسي نودي به عندما سقط النظام السابق للعراق، ولم ينتبه العرب وقتها إلا لمصالحهم مع أمريكا والتي معروف عنها أنها «أم ويهين وتلعب على الحبلين» دون الالتفات إلى أن العراق بوابة الأمن الخليجية والعربية الذي يحفظ العرب من تسلل العصابات الإيرانية جغرافياً لهم.
لذا اليوم الحاجة تفرض نفسها في ولادة مرحلة جديدة للعراق، ينهض بها أبناؤها الذين ذاقوا ويلات الحروب الطائفية والظلم من خلال اقتلاع كافة منابر الإرهاب، والتي تكاثرت في العراق على يد المالكي وأعوانه.
الشعب العراقي شعب فطم على الحروب والويلات، وهو قادر على مجابهة المعركة ضد خصوم العرب في العراق، كما إنه قادر على إعادة عراق التنمية والتطوير في حال دعم الدول العربية والخليجية له ومساندته وإبراز قضيته واعتبار أن العراق جزءاً لا يتجزأ من الأرض الخليجية العربية، والتي وجب المحافظة عليها وتحريرها من عبث المخططات الإيرانية.
- إحساس عابر (1)..
غفل العرب أن العراق تاريخياً كانت مصدراً وقوة للعرب في العلوم، فهي المدرسة العربية التي أوجدت على أرضها علماء العرب وكبار مفكريها، ولم يفطنوا أنها تشكل في ذلك بوابة رئيسة، كذلك لتصدير كافة المرتكزات الأخرى للأمة العربية من سياسية واجتماعية وأمنية، ليس لقوة نظامها أو ضعفه إنما لموقعها الاستراتيجي المهم وتاريخها.
- إحساس عابر (2)..
كل عام وأنتم بخير ومبارك عليكم الشهر الفضيل أعاده الله على الجميع بالخير والبركة.