من يملك السلطة؟ من يملك القوة؟ من يملك الإبداع الذي أفرز السلطات والقوى والنفوذ والهيمنة؟ وما الدور العربي في القديم والحديث في محصلة إبداع البشرية وإنتاجها عبر التاريخ؟ وأين يكمن الإبداع؟
يكمن الإبداع في إخراج الموروث الثقافي والمادي والحضاري من بوتقة التقليدي إلى الحداثية المبهرة، في ابتكار جديد، ونقلة نوعية جديدة تشهدها الموروثات على الدوام.
في عبارة أوردها سيوران في أشهر كتبه «تاريخ ويوتوبيا» يقول: «إن الحضارة لا تكشف عن خصوبتها إلا من خلال قدرتها على دفع الحضارات الأخرى إلى تقليدها، وما أن تفقد قدرتها على الإبهار حتى تختزل في حصيلة من الشظايا والأطلال». ترى.. أيمكن تفسير حالة الانطواء العربي والتوحد النسبي ثقافياً وحضارياً في ضوء تلك العبارة؟
كلنا نعلم المجد العربي.. والعصور الذهبية التي شهدها العرب والمسلمون في سالف الزمان، وكلنا -للأسف- نعلم ما آلت إليه أيضاً، بعد أن اختطفت حضارتنا العربية رأي العين، ومارس العرب في زمان متهالك دور المتفرج، لاسيما وأن ملاك القوة -اليوم- في حالة مستمرة ومستميتة في سلبنا كافة القوى واحدة تلو الأخرى، نهب ثقافاتنا، علومنا، إبداعاتنا، ولعل ما هو أخطر من ذلك كان ممثلاً في «هجرة الأدمغة»؛ مصدر الإبداع والتفوق العربيين، في انتزاع كاشف لآخر ما تبقى من قوى العرب وآمال نهضتهم.
ولعل ما يضاهي ذلك خطورة تلك الأبعاد التي منحت المشكلة حظوة الاستفحال، والتي يمكن أن نسميها «الهجرة الفيزيائية للأدمغة»، والمتمثلة بدخول العرب إلى مرحلة أخرى من الهجرات الأيديولوجية للأدمغة، حتى أصبح المواطن العربي غريباً على العرب، وفقد انتماءه المعنوي والثقافي للوطن العربي رغم الانتماء الجغرافي الأبدي في بعض الأحيان، وهي الحالة المترسخة في شبابنا هذه الأيام، كرسوخ عقيدة الانتماء البشري للجنة لا للأرض.
ما سبق كله لم يؤل إلا لإماتة الاسم العربي.. والهوية العربية.. والفخر بالعروبة بكافة أشكالها وصورها.. كما آل لإماتة التاريخ العربي، وإعادة إنتاجه في قالب غربي أكثر حداثة منزوع العروبة، فكر إنساني خالص وحضارة خالدة.
ترى.. أيمكننا القول أن حالة التوحد العربي ثقافياً وعلمياً إنما هو فرصة حقيقية سانحة لصياغة حضارة مستقلة نسبياً مستمدة قوتها من جذور راسخة في عمق التاريخ، ذلك التاريخ العربي المغيب هو الآخر؟! مجرد سؤال طموح.