قبل أن أعرج على ما أنا بصدده من فكرة لعمود اليوم؛ أقول إنه لا يمكن للصحافة أن تزدهر إلا في بيئة صالحة لذلك، ولا يمكن للرأي الحر أن يكون مؤثراً إلا بوجود مسؤولين يستمعون ويتجاوبون مع ما يطرح، وأقولها صراحة إن ما نطرحه في الصحافة كان يحظى بكثير من الاهتمام من لدن قادة البلد؛ جلالة الملك حفظه الله ورعاه وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد حفظهما الله.
يوم أمس تشرّف الجسد الصحافي بتكريم رئيس حكومة البحرين صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان حفظه الله، وهذا يدل على ما يكنه سموه للصحافة من تقدير واهتمام ومتابعة، بل إنه يوجه الوزراء بعد أن يطلع ويتحقق من حقيقة أية موضوع.
حين تشرّفنا بالسلام عليه أمس قال سموه بتواضع شديد: «أنتم اليوم تكرمونني.. ولست أنا من يكرمكم.. أنا سعيد بوجودي معكم».
أما الموقف الذي أظهر تواضع وطيبة هذا الرجل، فحين جاء مكرم من كبار السن، فقد نزل سموه من على منصة التكريم، وذهب إليه ليكرمه بالأسفل، هذه هي أخلاق وقيم وإنسانية خليفة بن سلمان.
أمس أيضاً قال للعبد لله كاتب السطور كلمات تخجلنا من شخص له مكانة كبيرة في قلوب أهل البحرين جميعاً قال: «يالزياني وجودك اليوم مزين القاعة» وقلت له رداً على هذه الكلمات الجميلة: «أنت طال عمرك تاج الزين كله».
رغم أن اسمي سقط من تكريم أمس، كما قالوا لي في جمعية الصحافيين، ولا أعرف أعضاء اللجنة التي اختارت الأسماء، فقد قالوا إن الذين أمضوا 20 عاماً في الصحافة سيكرمون، وأنا سأكمل في العام القادم بإذن الله ربع قرن في الصحافة البحرينية..!!
لكن تكريم خليفة بن سلمان وكلماته تجعلك تشعر أن هذا أجمل وسام، وتقدير الناس لنا وكلماتهم حين نقابلهم هو التكريم الحقيقي.
أذهب إلى ما أنا بصدده اليوم؛ فقد اطلعت على تصريح أحد المدراء في هيئة شؤون الإعلام قبل أيام والذي يقول فيه: «إن تلفزيون البحرين قد أوقف جميع البرامج المسيئة التي كان يبثها خلال الأزمة السياسية التي شهدتها البحرين في 2011»!
وكان ذلك أمام فعالية المفوضية السامية لحقوق الإنسان تحت عنوان «دور الإعلام في تعزيز وحماية الإنسان بالبحرين».
والله لا أعرف ماذا أقول للأخ الكريم عن هذا التصريح الذي لا يُقبل أبداً لا منه هو ولا ممن هم أعلى منه، وأعقد أن الأخ يتحدث بلسان آخرين.
لكني كنت أريد من الأخ المسؤول أن يسمي لنا البرامج المسيئة التي بثت خلال 2011؟
هل تقصد برنامج الراصد؟
هل تقصد برنامج الأستاذ سعيد الحمد؟
هل تقصد برنامج الأستاذة سوسن الشاعر؟
كنت أريد أن يسميها حتى نعرف أي البرامج تقصدها، وقد قال برامج وليس برنامجاً، بصيغة الجمع.
يوم أمس التقيت بالأخ الكريم في حفل التكريم وقلت له: ما هذا التصريح الذي قلته، فقال إنه لم يقل هذا الكلام إطلاقاً، وأن ما نشرته صحيفة «الوسط» كان خاطئاً..!
ثم أردف قائلاً لي: هل هذا هو مصدرك الذي تعتمد عليه (يقصد صحيفة الوسط)؟
قلت له إن كانت الصحيفة لفقت أو حرّفت كلامك، فلماذا لم تقم بنفي التصريح في اليوم التالي؟
فقال: المسؤولون قالوا بألا ينفى التصريح..!
أقول للأخ العزيز؛ إن من وقفوا مع وطنهم وأهل هذا الوطن بكل مكوناته ووقفوا مع شرعية الحكم، إنما وقفوا وقفة شرف، في وقت بلعت أناس كثر ألسنتهم ولزمت بيتها، وانتظر ماذا سيحدث، بعدها سيصطفون مع الغالب..!
أنت تعلم، وغيرك ممن كانوا في هيئة الإعلام أنكم كنتم تتصلون بحوالي 300 شخصية من أجل الحضور للبرنامج وكان جلهم وأغلبهم يرفض الحضور خوفاً وامتناعاً عن الظهور في تلك الفترة الحساسة، وخوفاً من العواقب.
من وقفوا وقفة شرف؛ الآن تقولون عنهم إن برامجهم كانت مسيئة؟
من ثم أنت تدين نفسك من حيث لا تعلم، فقد ظهرت في أحد برامج الراصد في 2011 واستعرضت الأوراق والإثباتات أمام الشاشة ضد أناس بعينهم، فهل كنت تعني نفسك بكلمة البرامج المسيئة؟ ألم تكن أنت متحدثاً فيها؟
إن كنت تقول إن البرامج المسيئة تم إيقافها؛ أليس هذا اعترافاً من مسؤول أن التلفزيون بث برامج مسيئة؟ وقد يستغل تصريحك أناس أنت تعرفهم؟
هل الحكومة البحرينية كانت ترضى أن تبث برامج مسيئة؟
أعرف أن هذا ليس خطاب مدير فقط، إنما خطاب من هم أعلى منه، ولكن قولوا لنا بربكم؛ هل ما يعرض اليوم من برامج في التلفزيون يرضي أهل البحرين؟ قناتنا أصبحت «أرشيفاً» لإعادة برامج، وهذا شيء مخجل، فالوزيرة تقول قيموا برامج التلفزيون.. سعادتك الضرب بالميت حرام..!
قناة لا تحمل هوية البلد ولا تعبر عن أهل البحرين، وأي إعلام لا يحمل رسالة وهدفاً هو إعلام فاشل. انظروا للإعلام الإماراتي والكويتي والسعودي كيف يستميتون في الدفاع عن وطنهم، البعض أصبح يشاهد نشرات الأخبار بتلفزيون البحرين لمعرفة ما يجري بالبلد فقط. أكبر شيء مؤلم لنا أن قناتنا من غير هوية، ولا تعبر عن أهل البحرين، وكلما جاء وزير جديد أصبحت الأمور أكثر سوءاً.
الذين وقفوا مع وطنهم في لحظات الانقلاب حين «تدثر المنهزمون في فراشهم» أصبحوا اليوم المسيئين لوطنهم، هذه تصريحات المسؤولين بالإعلام..!
كنا نخرج من وزارة الإعلام في آخر الليل والبلد في أزمة بعد المشاركة في البرنامج، حتى رجال الأمن اختفوا من الشوارع ولم نكن نشاهد سيارة واحدة في طريق عودتنا وكأن المدينة مهجورة.
لم يكن لدينا حراس، ولم يقف أحد يحمي بيوتنا، احتسبنا ذلك عند الله، لأننا نقف مع وطن ونعرف أن الكلفة قد تكون باهظة الثمن في حال اختل الميزان، كل أهلنا كانوا ومازالوا في خطر، لكن معادن الرجال تظهر في الأزمات. أما الذين تدثروا في فراشهم حين كان الوطن بحاجتهم فيحق لك أن تناديهم بأسماء البنات..!
رذاذ
حين اسودت السماء وطال أمد احتلال الدوار وأرجفت الأرض، في ذلك الوقت اتصل بنا الأخ محمد القوتي مدير الأخبار إذ ذاك «والرجل موجود ويمكن سؤاله» كان ذلك قبل بدء برنامج الراصد بربع ساعة، وقال: تقدر تجينا ياهشام الحين للبرنامج؟ قلت له: الآن؟
قال: نعم، فقد اتصلنا بكل من يخطر على بالك من أعضاء بالمجلسين، ومن شخصيات المجتمع، لا أحد يريد الحضور أو أنهم يغلقون هواتفهم..!
قلت له: «قبل يومين خرجت على البرنامج شوفوا أحد غير، قال: ما في أحد راضي يجينا، إذا تقدر حياك على وجه السرعة»..!
فذهبت، وأتذكر أني لم يكن لدي وقت للحلاقة ولا أعرف موضوع الحلقة، لكني ذهبت.
هكذا فعل زملاء وزميلات أعزاء وفعله مذيعون ومعدون ومصورون وفنيون ممن وقفوا وقفة شرف.زملاء وزميلات أتوقع أنه حدث لهم ذات الموقف ولبوا النداء وهم قلة، الآن أصبحوا مسيئين لوطنهم، هذا هو خطاب الإعلام الجديد والمسؤولين الجدد، إعلام من غير هوية ولا رسالة ولا هدف، صور كثيرة أصبحت في عيوننا كـ«مسخ» في هذا الوطن..!