ربما قرأتم هذه القصة؛ إن كنتم قرأتموها فإني أعيدها للتذكير بما تحمله من معنى حياتي كبير، وإن كنتم لم تقرؤوها فهذه فرصة للتعلم من عبر وأمثال الماضي الإنساني، الماضي الذي هو حق مشروع لكل إنسان على وجه هذه الأرض، فهو حق مشاع أيضاً للاستفادة منه، في الشرق والغرب والشمال والجنوب. تقول القصة..
كان أحد السجناء في عصر لويس الرابع عشر محكوماً عليه بالإعدام ومسجون في جناح القلعة، هذا السجين لم يبق على موعد إعدامه سوى ليلة واحدة، وفي تلك الليلة فوجئ السجين بباب الزنزانة يفتح ويدخل عليه لويس مع حرسه ليقول له: «أعطيك فرصة إن نجحت في استغلالها فبإمكانك أن تنجو، هناك مخرج موجود في زنزانتك بدون حراسة، إن تمكنت من العثور عليه يمكنك الخروج، وإن لم تتمكن فإن الحراس سيأتون غداً مع شروق الشمس لأخذك لحكم الإعدام».
غادر الحراس الزنزانة مع الإمبراطور بعد أن فكوا سلاسله وبدأت المحاولات، وبدأ يفتش في الجناح الذي سجن فيه، ولاح له الأمل عندما اكتشف غطاء فتحة مغطاة بسجادة بالية على الأرض، وما أن فتحها حتى وجدها تؤدّي إلى سلّم ينزل إلى سرداب سفلي ويليه درج آخر يصعد مرة أخرى، وظل يصعد إلى أن بدأ يحس بتسلل نسيم الهواء الخارجي، مما بث في نفسه الأمل، إلى أن وجد نفسه في النهاية في برج القلعة الشاهق ولا يكاد يرى الأرض.
ضرب بقدمه الحائط وإذا به يحس بالحجر الذي يضع عليه قدمه يتزحزح، فقفز وبدأ يختبر الحجر، فوجد بالإمكان تحريكه، وما إن أزاحه إذا به يجد سرداباً ضيّقاً لا يكاد يتسع للزحف، فبدأ يزحف إلى أن بدأ يسمع صوت خرير مياه، وأحس بالأمل لعلمه إن القلعة تطل على نهر، لكنه في النهاية وجد نافذة مغلقة بالحديد، أمكنه أن يرى النهر من خلالها.
وهكذا ظل طوال الليل يلهث في محاولات وبوادر أمل تلوح له مرة من هنا ومرة من هناك، وكلها توحي له بالأمل في أول الأمر لكنها في النهاية تبوء بالفشل، وأخيراً انقضت ليلة السجين كلها ولاحت له الشمس من خلال النافذة، ووجد وجه الإمبراطور يطل عليه من الباب ويقول له: «أراك مازلت هنا؟»، قال السجين: «كنت أتوقع أنك صادق معي أيها الإمبراطور»، قال له الإمبراطور: «لقد كنت صادقاً».
سأله السجين: «لم أترك بقعة في الزنزانة لم أحاول فيها، فأين المخرج الذي قلت لي؟»، قال له الإمبراطور: «لقد كان باب الزنزانة مفتوحاً وغير مغلق».
إن الأبواب دائماً مفتوحة، حتى تلك التي نظن أنها مغلقة، ولي أن أؤكد هنا أنه لا يوجد شيء مغلق بالمطلق، ما يمكن أن نظنه مغلقاً هو من ناحية يحتاج إلى شيء من الصبر، فالبذرة المغلقة، المغلفة بمادة قوية، لا تنكسر بسهولة، ما أن توضع في وقتها في التربة الصالحة وتروى بالماء حتى نجدها تتحول إلى مادة لينة، قابلة للحمل والتكاثر والتوسع.
لو فتحنا البصيرة، العين الثالثة، تلك الأرض العطشانة القابعة ما بين العينين التواقة للفعل الكوني، لوجدنا أننا كلنا قادرون، ليس على فتح الأبواب المغلقة إنما أيضاً مساعدة الآخرين على فتح مثل هذه الأبواب؛ أبواب المحبة، أبواب الحرية، أبواب السعادة، أبواب الرزق، أبواب كل ما هو جميل ورائع في هذه الحياة الممتدة بين الشهيق والزفير.
لا توجد صعوبات سوى تلك التي يضعها الإنسان أمامه، لا توجد مشاكل سوى تلك التي لا يعرف الإنسان كيف يتعامل معها، لا توجد في الكون إلا مدن المحبة.
لهذا علينا أن نسعى إليها ونحن مبتسمون مثل ابتسامة الطفل الخارج من البيت إلى البحر، أو مثل ابتسامة الوردة وهي تحصل على قطرة ندى آتية لها من الكون.