لا يمكن إنكار أن الإعلام كمهنة اليوم هو تخصص، حاله بالضبط حال مهنة الطب، فهو يعاين الوطن وهمومه باستمرار ويشخصها ويصرف وصفة البرامج والمواضيع الإعلامية التي من شأنها أن تعالجها، بل ويقوم بصرف البرامج الوقائية اللازمة ضد أمراض الفتن والتفرقة والأجندة الخارجية، كما إنه يقوم بعمليات صعبة ومعقدة في استئصال أورام الفساد والمشكلات حتى يكون الوطن بحالة صحية ممتازة يسوده الاستقرار وتملؤه الإيجابية، وهو كما التمريض أيضاً يعمل على السهر على قضايا الوطن والعناية بها، خاصة تلك التي تحتاج إلى رعاية واهتمام حتى تطيب وتتلاشى مشكلاتها وأوجاعها، كما إنه كمثل تخصص الهندسة يعمل على هندسة اقتصاد الوطن ومشاريعه وقضاياه والتخطيط لها.
الإعلامي كما لاعب كرة القدم في الميدان؛ ينزل ميدانياً يلعب ضد فرق الفساد والإرهاب ويهاجمها ويسجل أهدافاً ضدها ويدافع عندما تقترب من مرمى الوطن، وكما حارس المرمى يصد الشائعات والهجمات، وهو كما المحامي الذي يترافع ويدافع عن القضايا، وقضيته الدائمة التي لا يملها الحب والولاء للوطن والقيادة، وهو كما السفير والدبلوماسي في تمثيل الوطن خير تمثيل والترويج لسمعة جميلة وعقد أجمل العلاقات مع جماهير الرأي العام الخارجية، كما إن الإعلامي كما عامل البناء في بناء مباني وواجهات إعلامية تعكس صورة جميلة ومشرقة عن البحرين ليشاهدها العالم أجمع وهو يمر على اسمها، وكما الشرطي الذي يقبض على من يحاول اختطاف الوطن وسرقة ماله العام في أي مجال تنموي بالسر ويفضحه ويكشفه، كما إنه يحرس الوطن ضد مسربي المعلومات الخاطئة والشائعات، وكما المحقق الذي يحقق في القضايا ويجمع المعلومات ويتحرى عنها ثم يقترح الحلول، وكما المعلم الذي يحاول تنشئة الأجيال على الوطنية والولاء والحب والسعي لبناء الوطن ونهضته من خلال كافة الحملات الإعلامية من برامج وحلقات وأخبار ومقالات وتحقيقات واستطلاعات والمقاطع الصوتية والفيديو.
لذا الإعلاميون اليوم يحتاجون، أسوة ببقية التخصصات، إلى هيكل وظيفي يراعي وينتبه لحجم مهماتهم وأعمالهم ودورهم المهم في الوطن، والذي لا يقل أهمية عن الطبيب والمهندس والممرض والمعلم، لذا هم يحتاجون أيضاً إلى كادر إعلامي ينصفهم ويمنحهم حقوقهم الوظيفية التي تدخل في باب الأمن الوظيفي وللنهوض بهم مهنياً ومادياً، ولترتيب البيت الداخلي للإعلاميين في كافة الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، أسوة بكادر المعلمين والممرضين والأطباء والدبلوماسيين، وأسوة بالمهن التي يمنح الموظف فيها فور توظيفه درجات تخصصية كون مهنته تدخل ضمن تصنيف الوظائف التخصصية، ولحماية العملية الإعلامية وإيجاد احترام لهذه المهنة التي للأسف باتت تعرف بأنها مهنة من لا مهنة له، رغم أنها سلطة رابعة بالدولة.
فدول العالم أجمع باتت تهتم بالإعلام ليس كتخصص فحسب؛ بل باتت تهتم بإخراج أجيال تحمل شهادات ومؤهلات في التخصصات الإعلامية الدقيقة جداً، هناك طلبة إعلام بالجامعات الأمريكية يظلون سنين يدرسون ويقدمون رسالة الماجستير والدكتوراه في تخصص عنوان الخبر أو جزئية إخراج الصفحة الأولى للجريدة فقط.
وما نشدد عليه هنا أهمية الانتباه إلى منح حاملي المؤهلات الدراسية في الإعلام، والذين قضوا سنين في الدراسة والاجتهاد أيضاً، حافزاً أو درجة تخصصية تميزهم عن أولئك الذين لم يتخصصوا في الإعلام ويجتهدوا في صقل موهبتهم بالدراسة وحمل الشهادة التخصصية فيه، بمعنى حتى لا يتحول الموضوع إلى استغلال شخصي ومزاجية خاصة بحيث يقوم الموظف بالدراسة الجامعية في تخصص آخر غير الإعلام، ومتى ما شاء وُظف بالإعلام ووضع على درجة يتساوى فيها مع من قضى عمره بدراسة الإعلام والتخصص فيه، وليس له خيار آخر غير العمل بالإعلام، وحتى لا يكون هذا البند سبباً في جعل معظم الإعلاميين لا يدرسون الإعلام بل يتجهون لتخصصات جامعية أخرى كونه لا يوجد فرق، مما يشجع على إغلاق الأقسام الإعلامية بالجامعات لخلوها من الطلبة.
صحيح أن الإعلام هو التخصص الوحيد الذي من الممكن أن يوظف فيه من لم يدرس ويحمل شهادة جامعية في الإعلام، كونه يعتمد على الموهبة والإبداع بالدرجة الأولى، لكن لا يمكن أن تساوي من حاول صقل موهبته بالدراسة والتطوير مع من اكتفى بالموهبة والخبرة التراكمية، وحتى لا تظلم الطرفين من الممكن إيجاد تحفيز للعامل في المجال الإعلامي بمنحه درجة تخصصية في حال حصوله على شهادة تخصصية في أحد تخصصات الإعلام كالتلفزيون أو الإذاعة أو الصحافة أو العلاقات العامة أو الملتميديا، فيما الموظف غير المتخصص دراسياً يوضع على درجات الكادر الإعلامي التي تنصفه وتقدره مع الأخذ بعين الاعتبار سنوات خبرته.
هذا الأمر يرجع بنا أيضاً إلى مسألة إيقاف ظاهرة حشو الوظائف الإعلامية لمن لا مهنة لهم عن طريق إيجاد معايير وشروط عند التوظيف بالإعلام، ولكون الإعلام تخصص يعتمد على الموهبة، ومنعاً لمسلسل الواسطات الشخصية من الممكن عقد «اختبار قدرات» يقيم من خلالها الشخص المتقدم للوظيفة إن كان يصلح أو لا، أسوة بما يتم حالياً عند قبول الطالب في قسم الإعلام بجامعة البحرين، وأسوة بأنظمة الجامعات ومؤسسات الإعلام في الدول المتطورة خارجاً، دون إغفال ما تقوم به تلك الدول من وضع أنظمة ولوائح تضمن عدم ظلم حملة الشهادات الإعلامية التخصصية وتقديرهم، فهناك حاجة ملحة لإيجاد صمام أمان لكافة الإعلاميين بشكل عام وضمن حقوقهم أمام تسرب الدخلاء عليهم وممن لا مهنة لهم داخل هذا القطاع الحيوي التنموي المهم، والذي يشكل عصب تنمية الوطن وواجهته أمام الآخرين، فالإعلام هو من يستقطب رؤوس الأموال وينعش الاقتصاد من خلال بث البرامج الإعلامية التي تشجع على الاستثمار وترسخ صورة إيجابية، وهم من يروج للمشاريع ويعمل على جذب الأنظار باتجاه البحرين.
- إحساس عابر..
طبيعة عمل الإعلامي تحتم عليه الاستعداد لاستدعائه في أي وقت والعمل تحت ضغوط العمل وفي مختلف ظروف التغطيات الإعلامية والتسابق مع الوقت في تحرير الأخبار وإرسالها وبثها ونشرها، لذا ظروف مهنته وطبيعتها تحتم عليه تقديره مهنياً ووظيفياً أسوة ببقية التخصصات التي وضع لها كادر ينصفها.