أرسل عدد من الأدعية والأذكار على برنامج «الوتس اب» الهاتفي لها، كان رقم الهاتف من دولة خليجية مجاورة، سألته من يكون فتجاهل الرد، ثم عاد لإرسال عدد من «البرودكاستات العادية» التي وجدت أنه لا معنى لها، تذكرت وهي تدقق في رقم الهاتف أنه قبل عدة أيام قد جاءتها اتصالات من رقم آخر من نفس الدولة وكانت عندما ترد يظل صامتاً ثم يقطع الهاتف، قامت بحظر الرقم على برنامج الوتس اب بعد أن استخرجت من برنامج «النمبر بوك» الهاتفي، واكتشفت أن اسمه يعود لأحد الأشخاص الذين لا تعرفهم، ووجدت منه بعدها بأيام اتصال؛ حيث تكلم هذه المرة وأخبرها أنه أخطأ في الاتصال.
ظلت تدقق على رقم هاتف منزلي له نفس الحركة، حيث كان يأتيها في نفس الفترة من أحد مناطق البحرين وعندما ترد يغلق، فلما عادت الاتصال به في وقت آخر رد عليها رجل كبير بالسن وعندما أبلغته بأن هناك من يتصل ويزعجها وبأنها ستتقدم ببلاغ رسمي ضده كانت المفاجأة حين قال لها إنه لا يوجد أحد بالمنزل غيره هو وابنته، فابنه منذ عام 2011 -أيام الأزمة- يقيم في دولة خليجية مجاورة وأحياناً في العراق، كانت الدولة الخليجية المذكورة هي نفسها تلك التي جاءتها منها الأرقام، فارجحت أن الموضوع قد يكون محاولة لإزعاجها أو إخافتها أكثر من كونه مصادفة، فهي على اطلاع بألعابهم خاصة مع بنات الفاتح اللواتي لهن مواقفهن.
خلال أسبوع تلقت اتصالات من رقم غريب وعندما حاولت معرفة رقم فتح الخط اكتشفت أنه من لبنان، بعدها بيومين جاءها اتصال من إيران وعندما ردت أخبرها صاحب الرقم أنه أخطأ، وكان واضحاً من لهجته أنه بحريني أيضاً.
ظنت أن الأمر مصادفة، غير أنها شعرت وكأن هؤلاء يحاولون إخافتها، خاصة وأنه من الواضح أنهم قد جهزوا ردهم بمعنى لم تلمس من نبرة الصوت عنصر المفاجأة كون الرقم الذي طلبوه خاطئاً، وهو ما بينه أحدهم وهي تستشيره عندما أخبرها أنه غير معقول أن تكون هذه الاتصالات خلال فترة بسيطة مصادفة.
تذكرت بعض سيناريوهات هؤلاء مع الفتيات وطرقهم لابتزازهن خلال الأزمة المؤسفة عام 2011؛ إما تهديد مباشر يذكر فيه اسمها ويصفها بأبشع العبارات اللا أخلاقية، أوتهديد غير مباشر من خلال لعبة التعارف، لم تكن حينها لعبة التسجيل بحسابات وهمية تحمل أسماء الوطنيين أو انتحال الشخصيات الرسمية والتغريد ضد الدولة هي اللعبة الإلكترونية الوحيدة لهم، هناك أكثر من طريقة تختلف تبعاً للشخص المستهدف سواء كان ذكراً أو أنثى، يزج اسم الفتاة في منتدياتهم مع تعليقات من نوع «عندما يسقط النظام سنريكم.. تذكري أننا نعرفك!»، ألم ينشئوا قائمة (...) التي وضعوا فيها حسابات عدد من الصحفيات والإعلاميات؟
ألم يضعوا على موقع التواصل الاجتماعي قائمة سوداء للحسابات وصفوها «بحسابات مرتزقة النظام»، ونشروا بيانات وأسماء وصوراً شخصية للعديد من حسابات الشرفاء الذين كانت لهم مواقف في الدفاع عن البحرين خلال الأزمة، كابتزاز وكنوع من الفضح لهم وتخويفهم، وهذه القائمة السوداء كان لها تأثير بالطبع على الفتيات اللواتي خشين على أنفسهن أن توضع أسماؤهن فيها.
ألم يتحرشوا مراراً بالفتيات لعل إحداهن تستجيب ويتم ابتزازها، يسجل باسم مستعار، يوجد له حراكاً خفيفاً على موقع التواصل الاجتماعي لأجل إزالة أي شبهة، يضيفها ويحاول استدراجها لتضيفه ومن ثم التعرف عليها وبعدها هو وضميره؛ إما أن يستدرجها للدخول في علاقة ومن ثم توريطها وتهديدها أو إشغالها.. وغيرها من الاحتمالات الكثيرة التي لا تنجو منها سوى الفتاة المدركة الواعية لأساليبهم وألاعيبهم.
بعضهم يبحث عن اسم فتاة لها حراك وتواجد على «التويتر» عن طريق برنامج «النمبر بوك» ليستخرج رقمها ويظل «يجيك» أي رقم من الأرقام العديدة التي تظهر له هو رقمها الذي تستخدمه، ثم يكلمها عن طريق «الوتس اب»، ثم يحاول التعرف عليها زاعماً أنه لا يعرفها وأنه وجد رقمها صدفة، لذا كثيراً ما حذرنا الفتيات للانتباه وعدم الأخذ والرد مع أي شخص لا تعرفه، حتى وإن زعم أنه من الشخصيات التي لها حراك وتنظيم لحملات الدفاع عن البحرين على موقع التواصل الاجتماعي، وبأنه يرغب في التواصل معها لأجل التنسيق لا أكثر.
هذه هي ألاعيبهم في الحرب النفسية التي يشنونها على فتيات الفاتح، وتختلف الطريقة من فتاة لأخرى، وهذه الأمور تخشى كثير من الفتيات الحديث عنها عندما تتعرض لها إحداهن ويتم التستر لكونها تخاف من الوقوع في المشاكل مع أهلها، ومن ثم تقييد نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي، وثانياً خوفاً على سمعتها من أن يعبث بها هؤلاء، هذا الإرهاب النفسي الممارس ضد الفتيات يكشف زيف ادعاءاتهم بأن الخطبة التي خرجت لسحق رجال الأمن تأتي من أجل الدفاع عن النساء، فهم أول المعتدين على النساء والمتطاولين على سمعتهن، هذه التصرفات اللا أخلاقية التي يحاولون فيها لي أذرع الفتيات بنشر اسم البنت وبياناتها.
لذا نقول أن تلقي المواطنة البحرينية الشجاعة «أم عيسى» التي تكلمت أثناء دفن شهيد الواجب عبدالوحيد البلوشي، والذي قتل إثر تفجير قنبلة في منطقة الدير، عن الحق وأهمية القصاص ممن خطفوا روحه الشابة البريئة تهديدات وتعرضها لحملة تشهير وإساءة لها على موقع التواصل الاجتماعي ووصفها بـ «داعشة» نسبة لتنظيم «داعش» العراقي، وتغيير معنى كلامها وتحريفه بإضافة بعض «البهارات المستفزة» التي تحرض وتشجع الأطراف الأخرى على مهاجمتها والتعرض لها ليس مستغرباً البتة من هؤلاء الذين سقطت مع ثورتهم أخلاقهم وغيرتهم على سمعة بنات البحرين أمام العالم.
كما أن استخراج بياناتها وتهديدها بذلك أمر ليس بمستغرب طالما نحن نعيش في دولة الأزمة الأمنية المؤسفة، التي كشفت سهولة استخراج بيانات المواطنين الشرفاء الذين دافعوا عنها مع رجال الأمن، لدرجة أن يصل الأمر إلى بث عنوان إحدى المواطنات «التي مرت بين المتظاهرين في المرفأ المالي» على إحدى المحطات الفضائية، والتي تعكس أن أنظمتنا بالدولة مخترقة من قبل الذين باعوا ضميرهم المهني والإنساني واستغلوا وظائفهم في التعدي على خصوصية الآخرين وتجاوز القوانين.
المواطنة «أم عيسى» ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في حملة الإرهاب النفسي على النساء الوطنيات نظير مواقف شجاعة وجريئة في إظهار الزاوية الأخرى، التي لا يحب هؤلاء أن تظهر أمام العالم بطريقة مؤثرة تلفت الانتباه وتظهر الوجه الآخر للحقيقة التي يحاولون طمسها رغم جملة شعاراتهم الثورية، وهي شماعات تستخدم أمام العالم لتبرير تصرفاتهم وأعمالهم الإرهابية، والتي يستخدمونها بالواقع كورقة تقمع أصوات كل الأطراف المختلفة عنهم بالرأي، خاصة الأصوات المؤثرة.
إحساس عابر..
في وقتنا الحالي تتميز المرأة البحرينية عن نساء الخليج بأن لها بصمة مؤثرة فيما يخص الشأن السياسي والوطني ومدى إلمامها واهتمامها فيه، لاحظوا جولاتها الوطنية المشرفة في عالم السياسة على مواقع التواصل الاجتماعي ومستوى ثقافتها واطلاعها مقارنة بفتيات دول الخليج كمؤشر على مدى تسخيرها لجزء كبير من جهودها في الدفاع عن الوطن، فتحية لجنديات الوطن الباسلات، وتحية لكل فتاة شجاعة لا تعبأ ولا تهتم بالإرهاب النفسي الذي يشنه عليها أبطال الكيبورد والجبناء، فهذا بالأصل ديدن الجبان الضعيف الذي لا يملك مقارعة الحجة بالحجة ويلجأ لهذه الأساليب الرخيصة.