حاولت أن أحصي عدد الأخبار التي تنشرها الصحف خلال الأشهر الثلاثة الماضية حول قضايا الفساد التي تضبط بشكل «رسمي» من الدولة أو من ديوان الرقابة المالية أو من خلال إدارة مكافحة الفساد، لكني لم أفلح، شعرت أن هناك قضايا كثيرة قرأتها سابقاً في صدر الصفحات، لكني لم أجدها في بحثي الشخصي المتواضع.
بعيداً عن الجهات التي تم ضبط قضايا الفساد فيها بشكل رسمي، فإن هناك اقتراحاً لاح لي وأنا أقرأ أخبار قضايا الفساد، فإن كان هذا الاقتراح متحققاً على الأرض، فهذا أمر طيب، وإن كان غير موجود فإني اقترح (مجرد اقتراح من كاتب) أن تتم دراسة تحقيقه.
الاقتراح هو أن تشكل لجنة قوية مفعلة لديها صلاحيات بين وزارة المتابعة من جهة، وإدارة مكافحة الفساد بوزارة الداخلية من جهة أخرى لتشكيل فريق بحث ميداني، ووضع تصورات حول ضبط حالة الفساد المالي والإداري التي تمارس على المواطنين في الوزارات الخدمية.
نعم؛ نحن لسنا دولة أفريقية في مؤشر الفساد، لكن السكوت عليه مدة طويلة وعدم المحاسبة وعدم تطبيق القانون على المفسدين جعل هذا الشبح يتمادى ويكبر ويصبح شيئاً مخيفاً أمام المواطن البسيط.
وزارات خدمية معروفة (وهي زبون رئيس في تقاير ديوان الرقابة المالية) تحتاج إلى مراقبة شديدة على ما يجري في أروقتها وما يحدث على مكاتبها، وما يحدث للمواطن حين يراجع ويريد تراخيص بسيطة، لكنه يفاجأ أن معاملته البسيطة لا تمر، يمضي شهر وآخر وآخر وربما العام يمر، والمعاملة البسيطة لا تمر بسبب التعقيدات.
ثم يقال له الأوراق ضاعت، وهكذا، ثم يدرك هذا المواطن البسيط أن العملية ليست تعقيدات فقط؛ إنما كل ما يحدث له يراد منه أن يفهم أن معاملته لن تمر إلا «بالمقسوم»، حتى وإن كان ترخيصاً لإجراء تعديل في بيته أو شراء زاوية.
أخيراً فهم المواطن البسيط، الذي ربما يكون متقاعداً، أن عليه أن يدفع رشوة حتى يحصل على الترخيص البسيط، وإلا فإن أوراقه لن تمر، وكلما سأل عنها قالوا له عند فلان أو فلانة.
ويذهب ويعود، ثم يقال له أجلب لنا الأوراق من جديد، فهذا هو الواقع اليوم، ومن يكذبه عليه أن يذهب بنفسه للوزارات الخدمية المعروفة ويقف في الطوابير ليرى بعينه ويشاهد.
إذا كان مواطن بسيط يفعل به كل ذلك لإجراء شيء بسيط في بيته أو أي نوع من المعاملات الشخصية؛ فكيف يعمل بأصحاب المشاريع الكبيرة والاستثمارية، مجرد سؤال، ومجرد قياس بين الحالتين.
أعود للاقتراح، خاصة وأن الوزير الفاضل محمد المطوع وزير المتابعة قال إن هناك توجهاً لتوظيف موظفين لتقصي حالات التجاوزات والفساد في الوزارات، وهذا توجه جيد، لكن يحتاج إلى أن يسمع هؤلاء الموظفون لشكاوى الناس، وأن يكون هناك خط ساخن يبلغ فيه الناس عما يتعرضون له في الوزارات الخدمية بالخصوص.
لذلك أقترح أن يرافق «كشافي الفساد» موظف من إدارة مكافحة الفساد، هذا مهم لضبط الحالات ومن أجل أن يعرف المسؤولون في الوزارات الذين يجلسون في المكاتب، وربما يعلمون عن حالات الرشى في «الكونترات» لكنهم لا يكترثون، الصغير يأخذ والكبير يأخذ، وهذا يسكت عن ذاك «ودهنا في مكبتنا»..!
الفساد يشوه وجه البحرين اليوم، اتركوا المجاملات، نعم نحب وطننا ولا نقبل الإساءة إليه من أي أحد، لكن حبنا يجعلنا نشخص الواقع ونكشف للمسؤولين ما يجب أن يصحح.
الأخطر كما أسلفت أن تكون هذه سمعتنا وتهرب المشاريع الاستثمارية الكبيرة، حين يجد المستثمر أن أول الأبواب التي يطرقها تحتاج إلى دفع «هبرة كبيرة» حتى يمر المشروع من هذه المحطة، والمحطة القادمة تحتاج كذلك، وهكذا فيهرب المستثمر ويقول في نفسه هذا البلد ليس بلد استثمار، هؤلاء لا يريدون المشاريع تأتي إليهم.
مواجهة غول الفساد يحتاج إلى ارادة قوية، وإلى قرار سياسي قوي يدعم الأجهزة المختصة ويقويها، ولا يقف ضدها لأن محسوبية معينة أوقفت إجراءات تحويل أي متهم إلى الجهات القانونية.
أتمنى ألا تصدر توجيهات بعدم نشر أخبار الفساد من بعد عمودي هذا، فالفساد موجود، وجميعنا نعلم عنه ونعرف، حتى بعض مسؤولين الدولة يقرون بذلك ويقولون لك الوزارة الفلانية بها بلاوي، فنقول للمسؤول أيضاً الوزارة الفلانية، فيقول: «اووو.. خلها على صوب»..!
بمعنى الجميع يعرف بالفساد ويعلم به، لكن محاربته اليوم تشبه وقوف سيارة «ميني كوبر» التي يقودها «مستر بين» في وجه حاملة طائرات..!!

رذاذ..
يبحث مجلس النواب مشروع قانون يسمى «تضارب المصالح»، وأعتقد إن طبق القانون بعد الصدور لن يبقى إلا بائعي «الحب والسنبل» الذين ليس لديهم تضارب مصالح، البلد كلها تضارب مصالح، حتى عند بعض أعضاء المجلسين، يعني بالله عليكم كيف سيمر القانون والمجلسان معنيان به أيضاً.. يالله نكدس قوانين، ولا تطبيق.. كما قانون الإرهاب والذمة المالية!