كم «نوال» انفجرت بهم العبوات الناسفة هذا العام من أولاد وبنات؟ «انظر مقال أمس» كم «عرساً» أقامه المجلس العلمائي وأذرعه السياسية والإعلامية في المقابر؟ كم عائلة «زفت» «نوالاتها» إلى المقابر وتلقت التهنئة من عمائم فرشت ومهدت طريق الانتحار الممهنج؟ كم «نوال» جديدة ستخسر ذراعها وساقها بعد عشر سنوات من الآن؟
تحرير الثقافة الجمعية لقاطني القرى من حصار عمائم فقهاء الولي الفقيه أصحاب مشاريع الدولة الثيوقراطية دولة «الإمام» أو دولة «الفقيه» لابد أن يكون مشروعاً استراتيجياً للدولة، كما لابد في الحالة البحرينية أن ينجز تزامناً مع رؤية 2030 الاقتصادية، ماذا وإلا فإن 2022 سيشهد الجولة الرابعة لذات الصراع بين الدولة الدينية والدولة المدنية، وتتخللها العديد من أعراس المقابر.
وهذه دعوة كتبت فيها الكثير وحذرت من إهمالها ونبهت إلى حتمية تكرار سيناريو 1980 ثم سيناريو 1995 ثم سيناريو 2011 وهو الأقوى والذي اقترب كثيراً من تحقيق الهدف، إنما يبدو لي أنه ليست هناك أية بوادر لاستيعاب أو فهم أهمية طبيعة مشروع التفكيك أو مشروع لدولة العمائم، فما نراه الآن لا يعدو أن يكون معالجة سطحية لتبعات زلزال فبراير 2011 معالجة تبقي الداء في موضعه دون مساس.
تفكيك بنية الدولة الدينية لن يكون إلا بامتداد أثر الدولة المدنية حتى يصل إلى عقل «نوال» وتحرير خياراتها من سطوة الفقيه.
أن تكون لنوال حرية التعبد وحرية اختيار المذهب والحفاظ على خصوصيتها بعيداً عن فقيهها، وتحصر سلطة مرجعيتها في الأمور الدينية فقط، هذا هدف، وأن تكون لنوال حرية التعبير وحرية التفكير وحرية الخيارات السياسية دون سلطة الفقيه، هذا هدف آخر، هذه النتيجة لن تتحقق إلا إذا كان هناك مشروع تضعه الدولة، يضع هدفاً له تفكيك البنية الثقافية لعقلية «نوال» ويحررها من حصار الفقيه لها إلا ببرامج وخطط تقدمها كل وزارات الدولة ومؤسساتها وتشرك بها مؤسسات المجتمع المدني، ولا تستثنى أي وزارة أو مؤسسة حكومية «أوقاف، عدل، تربية، ثقافة، شباب ورياضة، إسكان، بلدية وتخطيط هيكلي، داخلية، إعلام، تنمية اجتماعية، مجلس أعلى للمرأة.. إلخ» جميعها عليها أن تقدم برامجها وخططها في كيفية تحرير الرهائن من أهل القرى من حصار جماعة الولي الفقيه لجهة تتولى الإشراف والمتابعة لهذا المشروع ويكون على رأسه قيادات الدولة مباشرة.
كيف يمكن معالجة أخطاء الدولة في منح أهل القرية هدية على طبق من ذهب ولقمة سائغة لأصحاب مشروع دولة الفقيه؟
الدولة ركزت إسكان نوال وأقاربها في مناطق سكنية واحدة، وجعلت من مدارسها ومدارس أطفالها مقتصرة عليهم فلا اختلاط مع سكان المناطق الأخرى، أي أنها عزلتهم مناطقياً واجتماعياً، فتكدسوا في مساحة ضيقة ضعيفة الخدمات، خالية من وسائل الترفيه، ثم منحت الحرية التامة لأصحاب مشروع الدولة الدينية لتأسيس مؤسساتهم الثقافية والخيرية والحوزوية في تلك المناطق، وتركت «نوال» خارج نطاق الحماية القانونية في أحوالها الأسرية وفي التزاماتها المالية وأحياناً في حمايتها الأمنية، ولم تترك لها ولأهلها خياراً، بل تركتهم لقمة سائغة للمجلس العلمائي، حتى أصبحت سلطاته على كل «نوال» في القرية حقاً مكتسباً بوضع اليد، بل الأدهى أن الدولة خسرت مواقع لم تكن ضمن نطاق نفوذ المجلس العلمائي سابقاً كبعض بؤر المحرق التي سقطت رهينة في يد الشيرازيين المنافس الثاني للمجلس العلمائي.
تجفيف منابع الإرهاب الفكري والحيلولة «بالقانون» بينه وبين عقل «نوال» وفك حصار القرية الثقافي والديموغرافي مشروع متكامل يضاف إلى التعامل الأمني المطلوب.. ماذا وإلا!