الرجل الرجل دائماً يقوده قلبه النقي ليكون في حجم الموقف الذي يعيش، الرجل الرجل هو الإنسان المبادر بدون تردد لاتخاذ القرار مباشرة، والعمل على تنفيذه في الحال، فقد قرأنا القصة التالية في كتب التاريخ، والتي تخبرنا كيف يمكن أن يكون الرجل الأول في دولته هو الذي يصنع الفارق لإنسان لا يعرفه. دعونا نعيش هذه الحالة الغاية في النبل، والغاية في العلاقة الإنسانية بين الحكم والمحكوم..
تقول القصة؛ في إحدى الليالي كان سيدنا عمر بن الخطاب يدور حول المدينة ليتفقد أحوال الرعية، فرأى خيمة لم يرها من قبل، فأقبل نحوها متسائلاً ما خبرها. فسمع أنيناً يصدر من الخيمة فازداد همه.. ثم نادى فخرج منها رجل، فسأله عمر: «من أنت؟» فقال: «أنا رجل من إحدى القرى من البادية وقد أصابتنا الحاجة فجئت أنا وأهلي نطلب رفد عمر.. فقد علمنا أن عمر يرفد ويراعي الرعية».
فقال عمر: «وما هذا الأنين؟».
قال: «هذه زوجتي تتوجع من ألم الولادة».
فقال: «وهل عندكم من يتولى رعايتها وتوليدها؟».
قال: «لا.. أنا وهي فقط». فقال عمر: «وهل عندك نفقة لإطعامها؟»
قال: «لا». قال عمر: انتظر أنا سآتي لك بالنفقة ومن يولدها».
وذهب سيدنا عمر إلى بيته وكانت فيه زوجته سيدتنا أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، فنادى: «يا ابنة الأكرمين..هل لك في خير ساقه الله لك؟».
فقالت: «وما ذاك؟».
قال: «هناك مسكينة فقيرة تتألم من الولادة في طرف المدينة».
فقالت: «هل تريد أن أتولى ذلك بنفسي؟».
فقال: «قومي يا ابنة الأكرمين وأعدي ما تحتاجه المرأة للولادة».
وقام هو بأخذ طعام ولوازم الطبخ وحمله على رأسه وذهبا.
وصلا إلى الخيمة ودخلت أم كلثوم لتتولى عملية الولادة، وجلس سيدنا عمر مع الرجل خارج الخيمة ليعد لهم الطعام، ثم خرجت أم كلثوم من الخيمة تنادي: «يا أمير المؤمنين أخبر الرجل أن الله قد أكرمه بولد وأن زوجته بخير».
عندما سمع الرجل منها «يا أمير المؤمنين» تراجع إلى الخلف مندهشاً، فلم يكن يعلم أن هذا عمر بن الخطاب، فضحك سيدنا عمر وقال له: «اقرب.. اقرب.. نعم أنا عمر بن الخطاب، والتي ولدت زوجتك هي أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب».
فخرّ الرجل باكياً وهو يقول: «آل بيت النبوة يولدون زوجتي؟ وأمير المؤمنين يطبخ لي ولزوجتي؟».
فقال عمر: «خذ هذا وسآتي بالنفقة ما بقيت عندنا».
إن فعل الخير كما سمعنا عنه في المرويات التاريخية والإسلامية هو ما جعل الخليفة الثاني واحداً من أهم الرجال الرجال الذين استفادت منهم البشرية، وكلنا يتذكر صيحته الخالدة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»، وهذا الكلام قيل قبل أن يصل الفلاسفة والمصلحون إلى طرح موضوع نبذ التفرقة العنصرية بقرون طويلة.
كلما قرأنا التاريخ وعرفنا مواقف ابن الخطاب في العديد من الأمور؛ اتضح لنا دور الحاكم الإنسان في نشر السعادة والمحبة بين الناس جميعاً، من هنا نقول: «لله درك يا عمر».
وقد قال الأصمعي وغيره: «أصل ذلك أنه كان إذا حمد فعل الرجل وما يجيء منه، قيل لله درك؛ أي ما يجيء منك بمنزلة در الناقة والشاة، ثم كثر كلامهم؛ حتى جعلوه لكل ما يتعجب منه».
فأنت أحد الذين ساروا على منهاج النبي العظيم، ومارس دوره الحقيقي كإنسان قبل أن يكون حاكماً، لم يكن يهتم إلا بالرعية التي أوكله الله والصحابة لرعايتهم.
لذلك لن نمل من ترداد: «لله درك يا عمر».