تميزت البحرين منذ التاريخ بعلاقات وطيدة ومشهودة مع مختلف دول العالم على كافة المستويات والأصعدة، وما نراه حالياً من توسيع علاقاتها وتكثيف زيارة القيادة الرشيدة للعديد من الدول مؤخراً، الصين والهند وباكستان وكازخستان وأخيراً روسيا، خطوة مهمة نحو الارتقاء بالعلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية، فضلاً عن الدور الكبير والملحوظ الذي تلعبه وزارة الخارجية متمثلة بمعالي وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة والمعنيين بالوزارة في تنفيذ توجيهات القيادة للارتقاء بالعمل الدبلوماسي.
وللارتقاء بالعمل الدبلوماسي فإن وجود سفارات للمملكة بالخارج عنصر مهم لتحقيق ذلك، كونها -السفارات- تخدم المواطنين المتواجدين في الخارج، وبالتالي تسهل عليهم الحصول على الخدمات والمعلومات المطلوبة وضمان وجود جهة رسمية تحفظ حقوقهم، خاصة وأن هناك مواطنين يسافرون إلى دول بقصد الدراسة أو لدورات تدريبية أو لمؤتمرات أو ربما للعلاج وغيرها من الظروف.
من هنا يمكننا القول إن حاجة مملكة البحرين لفتح المزيد من السفارات بات مطلباً ضرورياً، خاصة في ظل تطور العمل الدبلوماسي في البلاد من جهة، وتوسيع رقعة علاقاتها مع دول العالم من جهة أخرى، فعلى سبيل المثال قارة أوروبا «المزدهرة» التي يبلغ عدد دولها 53 دولة منها 28 دولة منهم أعضاء الاتحاد الأوروبي المشترك، حيث لا يوجد لنا تمثيل دائم إلا في 7 دول فقط، لا تشملها دول مهمة بحجم إيطاليا وإسبانيا، والذين يتمتعون بثقل سياسي واقتصادي على مستوى القارة والعالم، والنمسا التي تعتبر مقراً لمنظمة الأمم المتحدة ومنظمة أوبك ومركزاً عالمياً للمؤتمرات، وكذلك بالنسبة لهولندا التي تعتبر عاصمتها أمستردام عاصمة العالم القانونية بوجود العديد من المحاكم فيها؛ منها محكمة العدل الدولية «لاهاي»، ودول إسكندنافيا الغنية، فكل تلك الدول المهمة في أوروبا والعالم لا يوجد لنا تمثيل دبلوماسي دائم فيها، ونفس الحال بالنسبة لدول شرق أوروبا والبلقان مثل رومانيا وبولندا والمجر وأوكرانيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك وبلغاريا واليونان وغيرها، فعلى أقل تقدير يجب أن يكون لنا تواجد عبر إنشاء سفارة في دولتين أو ثلاث وعلى سبيل المثال جمهورية التشيك التي تتميز بالتطور في الطب والعلاج الطبي والتأهيل ويقصدها العديد من السياح البحرينيين والخليجيين.
متابعة لما سلف؛ فإن دول الأمريكتين -الشمالية والجنوبية- لا يوجد تمثيل دبلوماسي للمملكة فيهما، إلا في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأنا للتو التفكير بالبرازيل «العملاقة» التي ستستضيف المونديال الكروي بعد أقل من شهرين من الآن، وهذا في حد ذاته حافز كان يجب أن تفكر به الدولة لجذب الاستثمارات وتعزيز التعاون وزيادة حجم التجارة البينية من خلال وجود سفارة تقوم بالتسهيل لكل تلك الأمور.
كما إن دولاً بحجم المكسيك والأرجنتين وكولمبيا وتشيلي والبارغواي وفنزويلا والإكوادور وجاميكا وكندا وكوستاريكا، فكل تلك الدول تخلو من تمثيل دبلوماسي لنا فيها، صحيح أننا لسنا بحاجة لوجود سفارات في كل هذه الدول، ولكن لا نلغي وجودها، ولا ننسى دولاً مثل أستراليا ونيوزيلندا التي يكثر فيها الطلبة البحرينيون بحكم وجود جامعات متطورة، وبالتالي فالمتضرر الأول هم الطلبة، أما في ما يتعلق بالقارة الصفراء، آسيا، فكوريا الجنوبية وسنغافورة المتطورتين اقتصادياً وتجارياً على مستوى العالم، إضافة إلى دول إندونيسيا والفلبين يسجلون حالة غياب لتواجد سفارة بحرينية، مع غياب تمثيلنا في الدول الأفريقية الـ54 تماماً، والاكتفاء بالدول الأفريقية العربية الرباط وتونس والقاهرة والجزائر.
ويمكننا القول إن حصيلة التمثيل الدبلوماسي البحريني في الخارج يبلغ 26 سفارة مقيمة، حسب موقع وزارة الخارجية، ولا أعني وجود سفارة وقنصلية في نفس البلد مثل الشقيقة السعودية، والولايات المتحدة، وباكستان، والهند، هي حصيلة مملكة البحرين بالخارج من مجموع قرابة أكثر من 200 دولة في العالم، منها 12 سفارة في دول عربية وهي السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان وقطر والعراق والأردن وسوريا ومصر والمغرب والجزائر وتونس، و14 في دول أجنبية، منها 6 دول في آسيا وهم الصين واليابان وتايلند وباكستان والهند وإيران، و7 دول بأوروبا العريقة والغنية والمتطورة باتحادها الأوروبي وهي بلجيكا وألمانيا وبريطانيا وروسيا وسويسرا وفرنسا وتركيا، والولايات المتحدة فقط من كلتا القارتين الأمريكيتين الجنوبية والشمالية، وحالياً هناك بوادر لإنشاء سفارتين في كل من البرازيل وماليزيا.
بلاشك أن وجود تمثيل دبلوماسي دائم في دول مهمة أمر في غاية الأهمية، فالأزمة البحرينية عام 2011 بينت لنا أن كثيراً من الدول أساءت فهم تلك الأزمة ودعمت الفئة الخارجة عن القانون مثل الدنمارك والسويد، ولو كان لدينا سفارة دائمة في تلك الدول لساهمت -على الأقل- في توعية المجتمع الذي تتواجد فيه عن تلك الأزمة وأسبابها وأهدافها ومن يقف خلفها ويدعمها، ومن أجل ذلك وللأسباب السالفة الذكر فإن التوجه لفتح المزيد من السفارات أمر ملح وضروري.
ولا يتطلب الأمر فتح المزيد من السفارات فقط، ولكن لابد من تهيئة كادر وظيفي لتمثيل البحرين تمثيلاً مشرّفاً، وليس فقط بغرض التواجد، وهذا يدعونا إلى فتح تسهيلات لدى وزارة الخارجية لإلحاق موظفين في الكادر الدبلوماسي، خاصة من المتواجدين حالياً من الوزارة من أصحاب الخبرة، وبالذات في العمل الإعلامي، فجميعنا يعلم أن ما تعرضت له البحرين ولاتزال كان الإعلام يشكل النسبة الأكبر، وجميعنا يعلم أن الإعلام المضاد للبحرين يتميز بوجود كادر ضخم قادر رغم كذبه وفبركته على قلب الحقائق وتزييف الوقائع ونقل صورة خاطئة عن البحرين، ولكنها محل تصديق لدى الكثير من الدول، فما الذي يمنع من أن نواجه ذلك الإعلام المفبرك بكوادر وطنية ذات خبرة وكفاءة للدفاع عن البحرين في الخارج؟
مسج إعلامي..
القيادة الرشيدة حفظها الله متمثلة بصاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، وسمو رئيس الوزراء الموقر، وسمو ولي العهد الأمين النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، لن يبخلوا في تقديم التسهيلات لكل ما يتعلق بخدمة المملكة وشعبها الوفي، لذلك أتمنى من القيادة الرشيدة النظر بطلب فتح المزيد من السفارات في الدول المهمة أو تلك التي بدأت في النمو والظهور بجلاء على الساحة الدولية لمواكبة التطور الدولي في العمل الدبلوماسي، وللتسويق والترويج للمملكة، والهدف الأسمى نقل الصورة الحضارية والصحيحة وليس «المفبركة» عن واقع مملكة البحرين في ظل عهدها الزاهر.