في خلاصة العملية، فإن قناعة الناس تتمثل بأن أياً من المجلسين «الشورى، والنواب» لم يقدموا ما يحقق للناس تطلعاتهم ويحل مشكلاتهم، بالتالي هم على قدر المساواة بالنسبة لرأي الناس فيهما، لكن بنسبة أكبر السخط يتجه إلى النواب باعتبار أنهم من أوصلهم الناس بالتالي هم صوتهم وهم المطالبون بحل مشكلاتهم، وإن لم يفعلوا ذلك -وهذه حقيقة حاصلة- فإن الغضب إزاءهم أكبر.
لكن الغريب أن يكون اهتمام مجلس الشورى بالعمل التشريعي أكبر من مجلس النواب، فلو كان الوضع معكوساً لكان وضعاً عادياً جداً، باعتبار أن أعضاء الشورى معينون من الدولة وأغلبهم أصحاب أعمال أخرى، بالتالي وقتهم مزدحم بأمور أخرى تمثل لهم الأساس قبل العمل التشريعي «نقولها افتراضاً»، في حين يفترض بأن النائب يكرس كل وقته للعمل النيابي وتلبية مطالبات الناس.
نقول الغريب أن نعرف أنه في دور الانعقاد الحالي من الفصل التشريعي الثالث الذي سيفض بعد أيام بأمر من ملك البلاد، أن مجلس الشورى عقد 5 جلسات «استثنائية» لإقرار عدد من القوانين قبل انتهاء الفصل في حين لم يعقد مجلس النواب أي جلسة استثنائية.
مجرد مقارنة الرقم تدفع لتحليل أبعاده، وأول ما يتبادر للذهن الفكرة بأن النواب «كفوا ووفوا» بالتالي كل مشاريعهم وكل المواضيع العالقة تم حلها بالتالي لا يحتاجون لوقت إضافي لمناقشة المواضيع التي مازال ينتظر الناس البت فيها، ولربما احتاجوا إلى «وقت إضافي» لزيادة «الطلعات الإعلامية» ليتم تداولها في وسائل التواصل أو الصحف لأهداف انتخابية ترويجية!
المشكلة هنا بأن بعض النواب «وقليلون هم» من نحس بأنهم يعملون لأجل المواطن ويتعبون أنفسهم في هذا المجال، بينما نفر آخر يريدون أن يقتنع المواطن بأنهم لم يناموا ليلهم ونهارهم لأجله، لكنهم في نفس الوقت «زعولين» أشد الزعل إن تم انتقادهم، وإن تمت مواجهتهم بالسؤال الذي لا يقدرون على إجابته بسرعة وبأسلوب مباشر دون لف أو دوران، ونعني السؤال: ماذا حققتهم للناس من أصل مطالباتهم «الفعلية» لكم؟! وهي مطالبات معروفة ومحددة ويحفظها اليوم الصغار قبل الكبار؟!
والله يحق للمواطن أن «يزعل» حينما يرى -ولو رقمياً- أن اهتمام مجلس الشورى «الذي لا يلزمه بالناس أي إلزام إجباري» يجتمع وفي جلسات استثنائية ليناقش قوانين ويبت فيها وكثير منها قوانين مهمة تهم الناس، في حين لا يجد نفس الاهتمام من النواب، خاصة وأننا على بعد أيام من تحول النواب إلى «نواب منتهي الصلاحية» أو «نائب سابق» مع شديد الاحترام.
التجربة البرلمانية في البحرين تحتاج إلى إعادة تقييم، فنحن ننهي اليوم 12 عاماً من الممارسة الديمقراطية التي يفترض بأنها نهضت بالبحرين باتجاه مستقبل أفضل، يفترض أنها لبت الكثير والكثير من مطالبات المواطن وحلت أغلب همومه، لكنها للأسف لم تفعل، بل لم تؤثر بنسبة كبيرة في ذلك، بل ما زاد هو الاستياء الشعبي تجاه الأداء.
المنصف والعادل في نظرته لما يموج به الشارع البحريني اليوم يدرك بأنه حينما يتوحد الغالبية في رأيهم بشأن أداء السلطة التشريعية وأنه سلبي ولا يحظى بالقبول، وحينما يرى الناس تقول بدون توجس أو تردد أن وجود البرلمان تحول إلى «نقمة» بدلاً من أن يكون «نعمة»، فإن هذا مؤشر لا يجب التغافل عنه، يجب وضع اليد على الخلل وإصلاحه، فحياة الناس هي المتضررة في البداية والنهاية.
دائماً ما نقول بأن للبحرين خصوصية في كثير من الأمور، لكن هذه الخصوصية لم ترتبط بالبرلمان. أردنا برلماناً يتسق مع المعايير الدولية والاشتراطات التي تطبقها الدول، لكننا لم ننتبه إلى أننا -وبسبب هذه الخصوصية- لم نخرج بملبوس على قياسنا، أقلها يناسب أوضاع المواطن والمجتمع.
قلنا بأنه لأجل صالح الوطن والمواطنين ارفعوا سقف اشتراطات الترشح، ضعوا معايير تمنح فقط حاملي الدرجات العلمية حق الترشح «والله بعد 12 عاماً نقول بأنه اجعلوا الحد الأدنى ماجستير أقلها» فما وصلنا إليه من تشكيلة لم تكن ناجعة وهذا ملاحظ. هنا نريد «الخصوصية» التي نتحدث عنها، أليس الأفضل أن يكون في المجلس أناس على مستوى رفيع من العلم أو ما يوازي ذلك أقلها من خبرة تمتد لعقود طويلة ومقرونة بقصص نجاح وتطوير ملموس؟!
حق الناخب تخلى عن حقوقه في اختيار الأفضل، وكثير منهم بات لا يبالي بسبب تكالب الظروف المعيشية، فبات لا يهمه اختيار الأفضل والقادر على التشريع والمحاسبة والتطوير، بل بات يختار من يستخدم المال السياسي أو العطايا أو الأجهزة الإلكترونية أو المساعدات. بات المواطن يريد الاستفادة اللحظية من حمى الانتخابات، لكنه للأسف يدفع ثمن «قلة الوعي» هذا من أعصابه ومن حقوقه لأربع سنوات.
شخصياً، وعطفاً على ما رأيناه طوال هذه السنوات من كثيرين من ممثلي الشعب، لن أستغرب بأن يكون الشورى أكثر فعالية واهتماماً من النواب، رغم أن هناك ملاحظات عديدة ومهمة على الشورى وكيف يتحول في كثير من الأحيان لـ«حائط صد» يبطل كل مشروع يعنى بالمواطن مباشرة من ناحية تعديل أوضاعه أو الخدمات المقدمة له بذريعة الموازنة أو التخطيط أو النظرة المستقبلية وغيرها.
بعد هذا كله يقال للناس بأنكم شعب مازلتم غير مؤهلين للديمقراطية، ولربما تكون جملة صحيحة، لكن في المقابل من يمثلون الناس هل هم أيضاً غير مؤهلين للممارسة الديمقراطية؟!
وهنا مربط الفرس.