من الواضح أن هناك من يضع خارطة طريق لأهدافه الكبيرة في المنطقة، وهو في طريق تحقيقها على الأرض ولو مرحلياً.
تماماً مثل ما يفعل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، فقد حقق الكثير من أجل هذه الدولة وهو يسيطر الآن على مساحات من شمال شرق سوريا، وسيطر قبل أيام على شمال غرب العراق، وهو ما يحقق جزءاً من أهداف التنظيم في لإقامة الدولة الإسلامية في العراق والشام.
هذا تنظيم يحقق أهدافه، بينما دول أخرى تتعرض للانقلابات منذ سنوات، ليس لديها استراتيجية، وليس لديها خطط، وتترك نفسها كما ورقة الشجر الصفراء في يوم عاصف ولا تخطط لمن ينقلب عليها، أليس هذا درساً في الاستراتيجيات والأهداف والتطبيق لمن يريد أن يعتبر من الدروس، هذا تنظيم وليس دولة ويحقق أهدافه، فأين الدول التي لديها الإمكانات والقوانين والميزانيات؟
بحثت عن كيفية التقهقر الذي حدث لجيش نظامي مجهز بتجهيزات أمريكية متطورة، وتم تدريبه من قبل الأمريكان تدريباً كبيراً لمدة 10 سنوات، كيف لجيش قوامه 35 ألف مقاتل في الموصل والمدن القريبة من الموصل أن ينهار أمام ما يقارب الـ5 آلاف مقاتل من التنظيم والعشائر؟
أليس هذا يدل على أمور كثيرة، أليس هذا الانهيار التام للجيش وترك أسلحتهم والهرب إلى بغداد أو جنوب العراق أمراً محيراً؟
أين الأسلحة الأمريكية، والتدريب الأمريكي، وأين هتافات الجيش الذي كان ينتقم من أهل المدن والقرى السنية، يقتل ويعتقل ويغتصب النساء والبنات؟
كل ذلك إنهار أمام 5 آلاف مقاتل، أليس هذا أمراً محيراً؟
هل مارست قوى الفصائل التي تحارب جيش المالكي الرعب من خلال تسجيلات داعش التي كانت تقتل من يحاربها بطرق بشعة؟
هل سيطر الرعب على قلوب الجيش العراق الطائفي، بالتالي انهار سريعاً مع أنه يملك ما لا تملكه الفصائل؟
من الواضح أن الرئيس الأمريكي أخذ يسأل مستشاريه الذين أخذوا يتخوفون من أن تأتي الضربات الجوية الأمريكية بنتائج غير مرجوة بل عكسية إن حدثت، بل إن تخوف أوباما يكمن في خوفه من أن تأتي الحرب إلى مدن أمريكية وتتحرك الخلايا النائمة في أمريكا، وهو أصلاً يخوض حرباً خاسرة إن أقدم عليها في العراق.
كانت الكفة الإقليمية للميزان في العامين الأخيرين على الأقل تظهر أن إيران بدت متحكمة في خيوط اللعبة «وهذا ما جعل الانقلابيين محلياً في البحرين يركبون رأسهم بالاستكبار والتعنت على طاولة الحوار، فأمريكا وإيران معهم» فقد لعبت إيران لعبتها في البحرين، وفي اليمن، وفي سوريا، وفي لبنان، والعراق تحت قبضتها، والغرب يتفاوض معها من أجل تمرير برنامجها النووي غير السلمي.
كل تلك الصورة تظهر أن إيران هي المتحكمة في اللعبة، خاصة حين تأخر النصر في سوريا، لكن الأحداث تتحول سريعاً، ها هي إيران تدخل حرب استنزاف طويلة ومكلفة في سوريا، وتسدد كلفة مالية عالية هناك، وهي اليوم تخوض أيضاً حرب استنزاف في العراق، كما إن حزب الشيطان أيضاً يعاني من هذه الحرب في سوريا ولبنان، إلا أن آلته الإعلامية تظهر عكس ذلك.
الحوثيون في اليمين أيضاً تلقوا ضربات من الجيش اليمني، وأمثال داعش موجودون في اليمن، وهذا أيضاً يرهق أدوات وخناجر إيران بالمنطقة مما ينبئ بأن تنكسر الخناجر في اليمن أولاً، خاصة إذا ما دعمت دول التعاون الجيش والقبائل اليمنية.
كتبت الصحافية كاثرين فليب وهي متخصصة في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة التايمز البريطانية: «إن ما يحدث في العراق وسوريا قد يفضي لتحولات كبيرة في الشرق الأوسط».
وهذا يعني أن انتصارات الفصائل المقاتلة لجيش المالكي في العراق قد تغير خارطة التوازنات بالمنطقة مع بروز دولة أو منطقة واسعة وكبيرة من العراق وسوريا تحت سلطة داعش، وهذا التنظيم أصبح يملك من المال الكثير ويسيطر على أجزاء من بحيرات النفط.
حتى وإن كان داعش تنظيماً متطرفاً، إلا أن هذا التنظيم ربما تعلم من دروس السياسة شيئاً يسيراً حين توافق مع قوات العشائر في العراق، وتوحدوا ولو جزئياً أو مرحلياً، لمواجهة العدو الأول وهو طائفية جيش وسياسات المالكي، وطائفية حزب الدعوة العراقي «وهو في البحرين حزب الوفاق، مما يعني أن الوفاق كحزب لو تمكن في 2011 لفعل بأهل البحرين ما يفعله المالكي بأمة أهل السنة هناك، وعلى المغفلين أن يستفيقوا».
جزء كبير من عملية إنهاك النظام الإيراني مالياً وعسكرياً وبشرياً هو ما يحدث في العراق وسوريا.
سبحان الله، كلما تأخر النصر في سوريا، ندرك أن هذا خير وليس شراً، تأخر النصر وامتداد سنوات الحرب إنما هي إنهاك واستنزاف للمال والقوة الإيرانية، ناهيك عن تضعضع الاقتصاد الإيراني، وحالة الفقر للشعب الإيراني الذي أصبح لا يجد الدجاج، فكيف باللحوم.
من يظن أن اللعبة الإقليمية في يد إيران إنما هو واهم، اللعبة تتحول «وربما سريعاً» باتجاه آخر، وإيران اليوم تتحمل ما يفوق طاقتها في دول كثيرة توغلت بها لهدف واحد وكبير، وهو ضرب السعودية والمكون السني بالمنطقة، ظناً من إيران أنها ستصل يوماً ما إلى الحرمين الشريفين من بعدما طوقت السعودية بجيوب شيعية مختلقة، وهذا وهم كبير لن يحدث بإذن الله.
لا أحد منا يقف مع التطرف أبداً، ونحن كشعوب وحكومات معتدلة لا نقف مع التطرف ولا تؤيده، لكن التطرف الذي قامت به الحكومة العراقية ضد المكون السني الكبير قاد إلى تطرف آخر، وأدى إلى بروز داعش، بينما قامت الفصائل العراقية ووضعت يدها بيد داعش مرحلياً لمواجهة حرب المالكي الطائفية.
طائفية المالكي وحدت من كانوا يقتتلون ضد بعضهم «داعش والفصائل العراقية وبقايا جيش صدام الذين يطلق عليهم النقشبندية» هذا الذي وحدهم، ولو أن المالكي كان حاكماً عادلاً وأميناً ويعطي الناس حقوقهم، ولم يرسل جيشه لقتل أهل السنة في كل المدن والقرى ويقصفهم بالطائرات لما حدث هذا التحالف ضده، تصرف بغباء، وهذا الغباء جعل الطاولة تنقلب ضده.
من يقود تنظيم داعش اليوم هو أبوبكر البغدادي، وهو الذي كان معتقلاً في قاعدة «بوكا» الأمريكية بالعراق، وتم إطلاق سراحه في العام 2009، وقتها لم يكن الأمريكان يظنون أنه هو من سيقود تنظيم القاعدة في العراق «داعش»، فسلوكه وشخصيته في المعتقل لم يظهر عليها أي شيء ينبئ بذلك.
فقد نقلت صحيفة «ديلي بيست» الأمريكية ما قاله الجنرال كينيث كينج إنه يتذكر ما قاله أبوبكر البغدادي لحظة مغادرته السجن عندما قال لسجانيه: «أراكم في نيويورك يا شباب»، وحينها لم يأخذ الجنرال كينج هاتين الكلمتين على محمل التهديد ليكتشف الآن بأن البغدادي كان يعني ما يقول، وأنه كان خارجاً من السجن لمواصلة القتال، وقد قال البغدادي ذلك لأن أغلب سجانيه كانوا من مدينة نيويورك.
ما يحدث في العراق كان يتطلب من دول الخليج أن تتخذ مواقف سريعة، وكان يجب أن يُعقد اجتماع عاجل لقادة دول المجلس لبحث التطورات في العراق وسوريا، هذا هو وقت الاجتماع العاجل وليس مستقبلاً.
من أراد أن يحضر الاجتماع الخليجي فليحضر ومن يرى نفسه خارج دول التعاون فهذا شأنه، لكن على دول الخليج أن تعقد اجتماعاً عاجلاً وأن يدعى للاجتماع الرئيس المصري أو يتم التنسيق مع مصر والأردن، لا ينبغي الوقوف والتفرج حتى تحدث تطورات أكبر، ويكون تحركنا كدول مجلس متأخراً كثيراً.
من الواضح تماماً أن من كان يراهن على التحولات الإقليمية من قوى داخل البحرين، إنما كان يضع رهانه في الجهة الخاسرة، بل إن الوقت الذي تلعب عليه الأطراف المؤزمة في البحرين هو الذي يخنقها اليوم ويحبس عنها الهواء.
كتبت سابقاً وأعود لأقول إن من تآمر على البحرين وأهل البحرين ونصب المشانق وتوعد بالانتقام وطرد أهل البحرين، وتوعد الأسرة المالكة، عليه اليوم أن يسدد فواتير الإرهاب، لا ينبغي للدولة أن تعقد معه صفقات، أو تعطيه محاصصات، أو تقدم لهم حقائب وزارية «ويقال إنهم يريدون حقيبة التعليم»، أو أن تتخذ الدولة قرارات غير حكيمة من أجل أن يدخل الانقلابيون في الانتخابات القادمة.
من أراد أن يدخل فليدخل، ومن أراد أن يبقى كما هو ينتظر اللعبة الدولية، فعليه الانتظار، والانتظار سيكون مكلفاً جداً اليوم وغداً، لذلك من رمى فرصاً كبيرة في الحوارين السابقين لا ينبغي أن تقدم له فرص كبيرة أخرى، فمن رفض وتعنت عليه أن يدفع الثمن، وثمناً باهظاً أيضاً.
** «أضلهم السامري»
يقال إن عراب الصفقات «السامري» يعاني اليوم من تخبطات كبيرة، هو يذهب اليوم يميناً وشمالاً، يريد أن تتم صفقاته التي طبخها بسرعة، يريد إقرار هذه الصفقات قبل أي تطورات إقليمية كبيرة أخرى.
هو اليوم أخذ يتخبط ويقول كلاماً ووشايات حتى في كتاب الأعمدة يريد أن يتم إيقافهم عن الكتابة، لكن يبدو أن هناك من يفهم ألاعبيه جيداً ولا يكترث لما يقول، فقد أصبح العراب كما قصة «السامري» في القرآن الكريم حين أضل السامري قومه، وهذا هو سامري القوم اليوم، يريد أن يضلهم ويريد إتمام الصفقات على أي حال وبسرعة.
وأعتقد أن الوقت أيضاً يخنق «سامري البحرين» ويجعله يدور حول نفسه، فلا ينبغي السماع لمثل هؤلاء الدجالين الكذابين، المتلونين، الذين يسعون لزوال الدولة البحرينية اليوم أو غداً..!