في مناقشة قيمة مع بعض الأخوة الزملاء من ميادين إعلامية وفنية وفكرية وثقافية متنوعة وعلى هامش إحدى الجلسات الثقافية المميزة، طُرقت أبواب التاريخ كمدخل هام لتأصيل الحديث عن أي موضوع كان، والاطلاع على تاريخه لمزيد من الفهم في ظروف متنوعة تحيط به اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وغيرها.
غير أن الشائك في الأمر كان ما يقود إليه من أسئلة كثيرة منها محيرة؛ من يملك التاريخ؟ من يكتب التاريخ؟ ما هو التاريخ ومن أين يبدأ؟ كيف نستقي عبر التاريخ ومن أي زاوية أو منظور؟ كيف يغيب التاريخ؟ ما الأهداف التي تحملها كتابة التاريخ سياسية واقتصادية وحضارية ودينية وعرقية؟ كيف يصبح التاريخ أداة ترويجية؟
نتحدث جميعاً عن تاريخها وكيف يمكننا أن نستعيد أمجاده الضائعة؟ ونقف عند نقطة تاريخية معينة ونقول التاريخ هنا، وكأن لا شيء قبله، فمن يملك فعلياً تحديد بداية التاريخ؟ ذلك الذي نبني عليه طموحاتنا وأحلامنا بما يسمى استعادة حقوق الحضارات والأمم.
عندما نتحدث مثلاً عن الحضارة العثمانية وتاريخها نتساءل مراراً وتكراراَ هل يمكن القول إن الدول العربية حق لتركيا وإن مشروع عثمنتها الجديد مشروع، ورجوعاً لتاريخ مضى مثلاً منذ الجاهلية، وحسبما تشير إليه كثير من الوثائق حول ذاك الزمان، هل يمكن القول إن البحرين الحقيقية تشمل حدوداً كثيرة من المملكة العربية السعودية يجب على البحرين استعادتها جغرافياً، فكلنا نعلم الأصل الذي يعود إليه الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد، حيث مسقط رأسه «هجر» الواقعة حالياً في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية؟ ألم تكن تلك المنطقة من الامتداد الجغرافي لدولة البحرين؟ غير أن تاريخ اليوم يحكي غير ذلك.
إننا لسنا بصدد الوقوف على ما يجب المطالبة به أو حمايته وما تحظى به البحرين من علاقات دولية طيبة، لا سيما خليجياً، لا يجعل من احتمال التفكير بذلك وارداً حتى تأخذ بهذا الاتجاه أو ذاك، غير أن السؤال هو؛ إلى أي تاريخ تحتكم الأمم والشعوب؟ من أي نقطة بداية؟ ثم كلنا نعلم أن التاريخ يكتبه المنتصر؟ وهو ما يشير بدايةً إلى أنه تاريخ منزوع الحيادية، مشوه، لا يقوم على الحقيقة المطلقة، وهو ما يدعو للتساؤل، إن كان التاريخ ملفقاً ومزوراً في أكثر صوره فبأي تاريخ نفخر وبأي ماضٍ نعتز؟ ألم تلاحظوا في أغلب الأحيان أن ما يقدمه التاريخ المحلي عن أي بلد هو تاريخ مشرق في أغلب حالاته؟!
ألم نلاحظ كيف يغيب المؤرخون تاريخ بعض الأمم في تصعيد لتاريخ أمم أخرى رغم البون الشاسع فيما بلغته من حضارة، وهو ما أشار إليه أحد الأخوة الزملاء معنا في لفتة ذكية حول المقارنة بين عصر الظلمات في الغرب والعصور الذهبية لدى العرب والمسلمين، أولم نلحظ التركيز الكبير في تاريخ كافة العلوم مثل علم الاجتماع والنفس والفلسفة والتشريح والهندسة وغيرها، على عصر الظلمات وما لحقها من تنوير في تغييب لافت لعصور الإسلام الذهبية؟! ألا يشير ذلك لثمة أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية تشكل محركاً رئيساً لكتاية التاريخ الفاقد في فحواه للمصداقية، والمزيف للحقائق؟! وبهذا يصبح التاريخ أداة لدى الأمم، في الترويج لنفسها وتسويق مثالبها وبطولاتها؟
إن البحث في جدلية التاريخ يفتح لنا أبواباً شائكة تقود لكثير من المشكلات الكبرى، غير أن المخيب في الأمر حالة اللامبالاة العربية في التأريخ الجاد، في ظل تسارع المؤرخين الغرب في تسجيل كافة المشاهد والأحداث والوقائع بما يطيب لهم من مواقف وصور.