إن ارتفاع منسوب المخاوف من تعذر انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال سليمان في 25 مايو الجاري، حيث أصبح مؤكداً من أن الجلسة الرابعة غداً (الخميس) لن تكون أفضل حالاً من الجلسات السابقة، أي تعذر انتخاب رئيس بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني بحضور ثلثي أعضاء المجلس النيابي.
على هذا الأساس يستعد عدد من سفراء الاتحاد الأوروبي، خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، لإجراء الاتصالات اللازمة مع معظم الكتل النيابية إضافة إلى الاتصالات من قبل رؤساء دول عظمى معنية بالشأن اللبناني بهدف الضغط على المسؤولين اللبنانيين لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، في تسليم معظم هذه الدول من أن هناك شبه استحالة في إجرائها؛ إلا إذا حدثت معجزة في زمن اللامعجزات. وفي خضم هذه الاتصالات يتم تداول عدة أسماء من مرشحي التسوية بعد استبعاد إيصال أي من الأقطاب المسيحيين الأربعة، بالرغم من أن رئيس التيار الوطني الحر مازال ينتظر موقف الرئيس الحريري وموقف المملكة العربية السعودية حول إمكانية وصوله إلى الرئاسة كمرشح توافقي، في وقت لم يصدر أي شيء عن العماد عون يوحي بالفعل أنه مرشح توافقي سواء فيما يتعلق بورقة التفاهم مع حزب الله وعلاقته مع إيران وموقفه من الأسد والدعم له، مما يعني أيضاً استبعاده عن الرئاسة مثل سمير جعجع الذي يلقى معارضة شديدة من حزب الله وحركة أمل والنواب المقربين من سوريا كالحزب القومي والبعث.
من هنا تأتي أهمية بكركي وراي البطريرك الراعي رأس الكنيسة المارونية في اختيار مرشحها لأعلى منصب مسيحي في الدولة، وربما للمرة الأولى تسعى معظم الدول الكبرى الوقوف عند رأي البطريرك الراعي في هذا الخصوص، والذي وصف الفراغ في سدة الرئاسة بأنه بمثابة «الموت»، وتسعى المملكة العربية السعودية الداعمة دائماً لاستقرار وازدهار لبنان، والتي تحظى بحضور قوي على الساحة اللبنانية في مواجهة المحور الإيراني السوري، الذي يسعى دائماً لوضع يده على كل مقدرات وقرارات الدولة اللبنانية، وبصورة خاصة رئاسة الجمهورية. وبالعودة إلى موقف بكركي والبطريرك الراعي حيث يؤكد مقربين من البطريرك من أن أداء بكركي قد تغير في السنوات الثلاث الأخيرة تكتيكياً واستراتيجياً على أكثر من صعيد، ومن أنه ليس سراً من أن التلاقي السني الماروني كان السمة الأكثر بروزاً، وأن علاقات الكنيسة المارونية بالشيعة السياسية ظلت طول ربع قرن تفتقر على الانفتاح الشكلي ولا تتجاوز المجاملات.
بيان بكركي الشهير عام 2000 والذي طالب بالانسحاب السوري من لبنان شكل نقطة تلاقي مع الحريري بعد سوء التفاهم بين قريطم وقصر المهاجرين، والكلام دائماً للإعلامي المقرب جداً من البطريرك الراعي والقرار الذي اتخذته بكركي بعد مشاورات قالت باختصار لن تمر انتخابات الرئاسة من دون إرادة المسيحيين وبصورة خاصة الأقطاب الأربعة، ومن أنه حان الوقت لكسر التقليد المعمول به منذ مطلع التسعينيات والذي يأتي برئيس الجمهورية أعلى موقع سياسي في الدولة من دون موافقة المسيحيين أو ممثليهم الحقيقيين.
وبما أن التلاقي السعودي والإيراني لم يصل إلى حد التفاهم على الرئيس اللبناني الجديد والدور المنوط به في المرحلة الراهنة، وهو أكثر تعقيداً مما يتصور واضعو الاستراتيجيات بكركي.
وبكركي التي تغيرت كما يقول فؤاد حبيقة الإعلامي المقرب من البطريرك الراعي تملك ما يكفي من المعلومات حول الأوراق المستورة و«أحصنة طروادة» المموهين، وهي ترصدها بعناية وورقة مرشحي الصف الثاني مثل الوزير السابق جان عبيد التي يروج لها بصورة خاصة الرئيس نبيه بري والإعلام السوري الإيراني، وهو من حلفاء سوريا، وحظه بالوصول أشبه بالمستحيل، مما يعني بداية سقوط مرشحي الصف الثاني المحسوب على المحور السوري الإيراني، إضافة لما كشفه مركز البحوث حول الإرهاب في باريس ونشره في نشرته «أليرت ضد الإرهاب» في عددها الصادر في شهر أبريل الماضي و«ايشال دو فالور» التي تصدر عن المركز من أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد طلب إعداد دراسة عن «مرشحي التسوية»، وكان جيداً أن علم الرئيس الفرنسي هولاند من أن جان عبيد هو من رجال بشار الأسد، كما جاء في النشرة إضافة إلى ما نشره المركز من وثائق تثبت تعامل عبيد مع الأمن السوري.
لم أقصد الإساءة لعبيد إنما أردت أن أقول إن عبيد ليس مرشح تسوية أو توافقي كما تصنفه بكركي والإدارة الفرنسية والمملكة العربية السعودية على الأقل! ومن أنه سقط وأصبح خارج المرشحين في وقت مازالت أسهم كل من قائد الجيش جان قهوجي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بارتفاع بانتظار التفاهم الإقليمي والدولي حول رئيس جديد للبنان، وأذكر هنا ما قاله الجنرال غورو صانع لبنان الكبير لبنان بلد غير قادر على حكم نفسه.