«قالت لنا كلمة واحدة؛ كلمة واحدة فقط غيرت مجرى حياتي كلها، حيث كنت قبلها لا أرتدي الحجاب ولا العباءة وكنت أستمع للأغاني كثيراً وأحب الرقص، فقد كنت الأخت الصغرى لعشر شقيقات بيني وبينهن فارق كبير بالسن، حتى اقتربت من عتبات التخرج من المرحلة الثانوية فنادتني أمي الكبيرة في العمر يوماً وقالت لي بصريح العبارة «لن أرضى عنك وأحللك أبداً بعد مماتي حتى تخبئي شعرك وتلتزمي!».
تقول صاحبة الاعتراف التي تغيرت حياتها بعدها: «هذه الكلمة الوحيدة المؤثرة رغم مئات الكلمات الصادرة من أمي غيرت مسار حياتي، فقد ترسخت في ذهني وجرت هذه الكلمة أفكاراً عديدة بداخلي عن الجنة والنار، ومنذ ذلك اليوم ارتديت الحجاب والتزمت وتعرّفت على عالم إيماني جميل لا أستطيع الاستغناء عنه اليوم لأنني أعيش في نعيمه وأتذوق حلاوته؛ بل وأستغرب من كيف كانت هيئتي الخارجية التي لا أتحرج من السير بها أمام الناس وشخصيتي السابقة!».
فتاة أخرى، وهي في أولى مراحل المرحلة الابتدائية، كان والدها عندما يجالسها ويحادثها يسألها دائماً في أي مرحلة عمرية سترتدين الحجاب؟ وكان واضحاً أنه يشجع فيها أهمية التخطيط للمستقبل، فأخبرته أنها سترتديه مع دخولها المرحلة الإعدادية، فقال لها الكلمة التي أثرت فيها طيلة سنين حياتها لاحقاً: «أعرف أنك بنت عاقلة»، توفي الأب قبل أن تنهي المرحلة الابتدائية، لكنها لم تنسَ وعدها له، فارتدت الحجاب في الصف الأول الإعدادي وظلت كلمته «بنت عاقلة» هي الكلمة التي تستحضرها دائماً، والتي كانت كالحصانة التي تمنعها من الوقوع في الخطأ من بعده!
فتاة أخرى معظم كلماتها وأحاديثها بذيئة وغير أخلاقية، ودائماً ما يستشعر الشخص وهو يحادثها أنها تقوم بنوع من التفريغ الكلامي المخزن لديها، والذي لاسيما قد جاء إما من بيئتها أو منزلها، في إحدى لحظات المصارحة كشفت عن أن والدتها ووالدها قد اغتصبا طفولتها وإخوانها من خلال التلفظ أمامهم دائماً بمثل هذه الأحاديث، بل وأحياناً بشتمهم بها، حتى ولو على سبيل الدعابة، تقول الفتاة: كلماتهما البذيئة هي التي غيرتني بعد أن كنت أكره سماعها وأنا صغيرة وأتأذى كثيراً مما تحويه من معانٍ، ماذا تتوقعون مني وأنا بين كل جملة وأخرى تصدر من والدي كلمة بذيئة، والله حتى في التشبيهات والأمثال لا يستحضرون إلا مثل هذه الكلمات، للأسف هذه الفتاة دخلت في دوامة العلاقات غير الشرعية بعدها.
الكثير من المواقف والقصص التي نراها في حياتنا اليومية تكشف عن كيفية تأسيس البناء الشخصي والنفسي لكل إنسان، وكيف وجدت كلمات رنانة غيرت خارطة حياته، حيث يكتشف أن النقلة النوعية لهم جاءت بكلمة واحدة أو عدة كلمات كانت كالمفاتيح المؤثرة التي غيرتهم وأثرت فيهم للأبد، إلا أن الآباء والأمهات الكثير منهم يجهل أن بعض الكلمات المستخدمة مع أبنائهم لا تنسى وتكون مثل الشمعة التي قد تضيء جانباً من حياتهم يبقى مستنيراً بها للأبد، أو كالسلاح الذي يقتلهم ويغيرهم للأسوأ.
بعض الكلمات تشكل بصمة لا تنسى ولا تمحى في نفس الطفل، خاصة إن صدرت من والديه اللذين يشكلان مدرسته الأولى في الحياة، لذا من المهم جداً التركيز على استخدام الكلمات التي تحمل مثل هذه البصمة، والتي تبقى رنانة في فكر الطفل وتحمل دافعاً أو هدفاً سامياً ونبيلاً للتغيير والتطوير، كما لا بد من إنعاش ذاكرته بطرح الأسئلة التي تدفعه للتخطيط لحياته، ومن ثم منحه كلمات تدعمه بالثقة ليبقى يستحضرها دائماً في نفسه حتى لو لم يكن والداه معه.
هي دعوة لأولياء الأمور بتربية أطفالهم بالاجتهاد والبحث عن مثل هذه الكلمات الرنانة والمؤثرة التي تحمل أفقاً واسعاً وبعداً نفسياً يترسخ في داخل أطفالهم بالإيجاب. إن الكلمة كما البذرة التي توضع في نفس الطفل والتي سيسقيها الطفل لاحقاً بالتذكر والاستحضار في معظم محطات حياته، فثمة كلمات عندما تقال لا تنسى وتبقى حاضرة دائماً وتشكل مدرسة ولبنة أساسية تغير وجه الحياة عند الطفل الصغير يسترشد بها دائماً ويعود لها في بعض محطاته اللاحقة.