الاستعراض الذي قدمه وزير الدولة لشؤون الكهرباء والماء د.عبدالحسين ميرزا أمام مجلس النواب يوم الثلاثاء الماضي لم يكن شفافاً واتسم بالتناقض أحياناً، وانتهى بخلاصة أن هذه الضجة الواسعة التي روجت لها الوزارة أو الهيئة (لا أدري) هي ضجة مفتعلة، وأنها تكاد أن تصبح زوبعة في فنجان.
الوزير في ذلك الاستعراض تحدث عن أن «الهيئة اتفقت مع وزارة المالية على استقطاع مستحقات الكهرباء من ميزانية الجهات الحكومية المرصودة لصالح الهيئة حال تأخرها في الدفع خلال 40 يوماً».
والسؤال الذي تحاشى الوزير الإجابة عنه هو أن هذا الاتفاق ابتداء من اليوم، ولكن ماذا عن الديون المتراكمة على هذه الجهات الحكومية على مدى السنوات الماضية، منذ متى هذه الديون، وكم بلغت حتى اليوم، وكيف سيتم تسديدها من قبل وزارة المالية، هل من الحساب السنوي الجاري للجهة الحكومية أم من أي حساب، فالتسوية التي توصلت لها الهيئة مع وزارة المالية وبتعليمات من مجلس الوزراء تعني أن هناك ديوناً على هذه الجهات للهيئة قدرتها بعض المصادر بمئات الألوف من الدنانير، وقدرتها مصادر أخرى بالملايين.
الوزير تحدث عن واقع المشكلة في عام 2013 فقال «إن الميزانية المرصودة لنا في 2013 كانت 200 مليون دينار استطاعت الهيئة تحصيل 176 مليون دينار منها، وبالتالي كان العجز بقيمة 33 مليون دينار».
والصحيح أن العجز أو المبلغ المتبقي الذي لم يستحصل في عام 2013 من هذه الميزانية هو 24 مليون دينار فقط ونسبته 12% من الميزانية، وهي نسبة ضئيلة جداً إذا ما قورنت مع مبالغ الديون المستحقة لـ«بابكو» على طيران الخليج وطيران البحرين، وإلى الديون المستحقة لعدد من الوزارات الأخرى والتي ذكرت مراراً في تقارير ديوان الرقابة المالية.
والجانب الآخر أن ميزانية الـ200 مليون دينار حسب ما ذكر الوزير تشمل «تحصيل مستحقات الكهرباء للخدمة المقدمة للمشتركين من مواطنين وأجانب»، أي أنها شاملة للقطاع الأهلي «المنازل» والقطاع التجاري، وهو ما يعني مرة أخرى أن المبالغ التي لم تسدد في عام 2013 والمستحقة على منازل البحرينيين هي جزء بسيط من مبلغ الـ24 مليون دينار أو 12% من الميزانية في ذلك العام.
الوزير ينتقل في استعراضه إلى نقطة أخرى عندما يقول «إن سبب العجز في ميزانية 2013 هو أن 20% من المشتركين لم يدفعوا المستحقات وغالبيتهم قادرون على الدفع بحسب ما تزودنا به من وزارة التنمية الاجتماعية»، استدلال غريب، فمنذ متى تعتمد وزارة الكهرباء أو غيرها على وزارة التنمية الاجتماعية لمعرفة المواطنين المقتدرين على الدفع، هل بحثت في قائمة المسجلين في الضمان الاجتماعي، أو في قوائم الذين يتلقون علاوة الغلاء.
وماذا بشأن المواطنين العاطلين عن عمل، وماذا بشأن الذين يتقاضون رواتب تتراوح بين 150-300 دينار وهم بالآلاف في القطاعين العام والخاص، هل هؤلاء قادرون على دفع مستحقات الكهرباء المتراكمة والجديدة؟
إشارة الوزير مفادها أن 80% من المشتركين يدفعون بانتظام ولا مبالغ مستحقة عليهم لا بالأمس ولا اليوم، المشكلة هي في نسبة الـ20% الذين لا يدفعون والذين سببوا العجز في ميزانية وزارته، فإذا كان هذا ما قصده الوزير وقاله وردده أمام النواب فهذا يعني أنه ليست هناك لا أزمة ولا مشكلة، وأن تحصيل 80% من رسوم الكهرباء والماء والبلدية هو نعمة يجب على الوزير أن يشكر الله عليها لا أن يشتكي منها.
نتابع استعراض الوزير ونتوقف عند قوله هذه المرة، «إن مبالغ المشتركين المتخلفين عن دفع الاستحقاقات تراكمت على مر السنين لتبلغ 130 مليون دينار «في شهر مارس الماضي ذكرت الهيئة أنها تفوق 80 مليون دينار»، وأن هدف الهيئة هو تحصيل جميع الفواتير الشهرية بالكامل، إضافة إلى تحصيل مليون دينار شهرياً من المستحقات المتراكمة».
وبحسبة بسيطة نجد أن تحصيل مبلغ 130 مليون دينار وبمعدل مليون دينار شهرياً -كما يقول الوزير- يحتاج من الوزارة عشر سنوات و8 شهور.
في منتصف حديثه أو استعراضه للأرقام قال الوزير: «تم توفير الكثير من التسهيلات للمشتركين عن طريق تجنب الملاذ الأخير وهو قطع التيار الكهربائي وذلك بعدة إجراءات مسبقة وهي: مددنا القسط للحسابات المنزلية من سنة وسنتين وجعلناها 4 سنوات، أما للحسابات غير المنزلية فلم يكن فيها تقسيط وجعلناها الآن مقسطة على سنتين..».
وهذا يعني أن تحصيل 130 مليون دينار في 4 سنوات يتطلب استرجاع مبلغ مليونين و700 ألف دينار شهرياً وليس مليون دينار فقط وضعف هذا المبلغ إذا كانت المدة سنتين.
فأيهما الأصح مبلغ 130 مليون دينار أم مبلغ 80 مليون دينار كديون متراكمة، ومدة استرجاعها في 10 سنوات و8 أشهر أو 4 سنوات وسنتين، هل هذه هفوات أم مبالغات مقصودة؟
خلاصة هذا الاستعراض أن القضية ليست هي كبيرة ولا هي شائكة وأن عروض الوزارة المبهمة والمتناقضة تدل على أن الموضوع ما هو إلا زوبعة في فنجان، وأن الحكومة تريد «فلوس وبس».