أي قارئ لصورة الأحداث في المنطقة يراها ببعدها الحالي والمستقبلي لاشك أنه سيرى أن ما يحدث في المنطقة «العرق، سوريا، مصر، ليبيا» كل تلك الهزات في تقديري إنما هي بمثابة المخاض لمرحلة قادمة بلاعبين جدد، وقوى جديدة قد تخرج إلى الساحة.
لا ينفصل عن ذلك حالة «الهزال الأمريكي»، هذا الهزال ليس لأن أمريكا لا تمتلك القوة، هي تملكها لا ريب، إنما أحياناً كثيرة تكون أنت تملك القوة، لكنك لا تستطيع استخدامها، وهذا ما كانت تحيكه أمريكا للبحرين خلال أزمة 2011، فالدولة كانت ومازالت تملك القوة، لكنها في ذلك الوقت لم تكن تستطيع استخدامها، وما تفعله أمريكا بالشعوب والدول يعود عليها هي، فهي اليوم تمتلك القوة لكنها لا تملك خوض حروب بالإنابة.
في السابق كانت أمريكا تريد مسوغات للتدخل العسكري «العراق/ أفغانستان/ الصومال» إلا أن كل تلك التدخلات كانت مكلفة على جميع الصعد، المالية أولاً والبشرية ثانياً، وزيادة الغضب وحب الانتقام لدى الشعوب التي تكره السياسات الأمريكية والتي تعرضت لظلم أمريكا، هذا الغضب ولد أيضاً حب الانتقام من أمريكا إن توفرت الفرصة لدى تلك الشعوب، وأحياناً يكون الانتقام من جندي مختطف أو سائح أو كالات تجارية أمريكية.. إلخ!
توقفت أمس عند تصريح السفير الأمريكي في البحرين الذي قال: «نحرص على الاستقرار السياسي بالبحرين»، وقد يكون كلام السفير صحيحاً، لكن أي استقرار تقصد؟ ومن هم الذين تظنون أن الاستقرار يتم بهم، والاستقرار الذي يأتي بمن إلى السلطة؟
أعرف أن البريطانيين يتلاعبون بخبث الكلام أكثر من الأمريكان، لكن ما قاله السفير الأمريكي يندرج تحت ما تعلمه السفير واكتسبه من البحرين في ما يسمى بالتقية السياسية.
غير أننا لا يجب أن نحمل المعاهد الأمريكية والسفارة الأمريكية في البحرين فقط ما جرى ويجري، فقد قال السفير إن كل ذلك «البعثات والتمويل والتدريب» تم بعلم ومعرفة واتفاق مع الحكومة البحرينية، وهنا الوجع أكبر، نحن من نأتي بإصبعنا في عيننا، نحن الذين نريد أن نظهر لأمريكا أننا منفتحون إلى حد السذاجة، وهذه مصيبة كبيرة.
أسماء من تم تدريبهم لدى الدولة؛ كيف مرت كل هذه الأسماء من تحت يدكم دون أن تشعروا أن أمراً ما يدبر من خلال تدريب متطرفين وجماعات إرهابية شيعية بالبحرين؟
أعود إلى ما بدأت به لأقول إن أحداث العراق وثورة العشائر والقبائل بالعراق قد تفضي إلى تغيرات بالمنطقة، هناك دول تتوجس مما يتم، وهناك من لا يريد لهذه الثورة أن تتمادى خوفاً من أن تصل إليه، خاصة أن تنظيم داعش ضمن هذه الثورة، وبالتالي فإن الأمور أخذت منحى آخر في إيران والدولة الصهيونية والأردن والكويت والسعودية ودول الخليج، فمازالت الصورة غير واضحة، بالتالي هناك توجسات لو انتصرت هذه الثورة وزحفت إلى حدود دول مثل إيران والكويت والأردن فإن الأمور ستتعقد.
منذ زمن ونحن نقول إن حاجة أهلنا في الكويت للاتحاد الخليجي أكثر من حاجة البحرين إليه، الأخطار على الكويت كبيرة؛ من داعش أو من الصفويين الحاكمين بأمر إيران، من هنا لا ينبغي تغليب أمور صغيرة تشغل الكويت أو تمنعها من الانضمام للاتحاد الخليجي، درس العام 90 ينبغي أن يكون باقياً ومنحوتاً في ذاكرة الكويت.
أمريكا التي لا تستطيع المحاربة بالجيوش اليوم «أو تحتفظ بهذه الحرب إلى أخطار أكبر على حدودها أو حلفاء حقيقيين»، ستقوم بالحرب مع المالكي في العراق ضد ثورة العشائر، وسترسل طائراتها بطيار أو بدون للمحاربة مع الجيش الطائفي العراقي من أجل نصرة المالكي، كما إن هناك تفاهماً وتعاوناً أمريكياً إيرانياً في هذا الجانب، كله للحرب ضد عشائر العراق السنية، وهذا يؤكد أن الحرب إنما هي «حرب صليبية صفوية» ضد أمة التوحيد، هذه هي الحقيقة.
أمريكا لم ترسل طائرة واحدة إلى سوريا رغم كل الجرائم وسفك الدماء من قبل الصفويين هناك، بل امتنعت حتى عن تزويد المعارضة السورية بالأسلحة لمدة 3 أعوام من الحرب ضد أهل السنة بسوريا.
فلماذا تتحرك اليوم لنصرة المالكي في العراق؟
هي الحرب الصليبية الصفوية، هذا التلاقي الإيراني الأمريكي الصهيوني بالمنطقة يظهر كم هي الأحقاد وكم هو الاستهداف لأمة التوحيد، فمن أمة التوحيد يأتي الخوف، من أمة الجهاد يأتي الخوف، من الذين فتحوا القدس يأتي الخوف، من الذين حرروا القدس يأتي الخوف، وليس من عملاء الغرب بالمنطقة، فهؤلاء ليس منهم خوف، وهم الذين فتحوا العراق ثلاث مرات أمام الغرب لاحتلالها، وهم الذين كانوا يعيقون صلاح الدين عن فتح بيت المقدس.
قيام الاتحاد الخليجي أكثر ضرورة من أي وقت مضى، الأحداث لن تتوقف بل ستزداد، المحور الخليجي المصري الأردني يجب أن يظهر بقوة، بالمقابل فإن دولة مثل البحرين يجب أن تعد العدة والخطط والتصورات والسيناريوهات للداخل، هذا المخاض الإقليمي يلقي بظلاله على الداخل البحريني، من هنا فإن وضع السيناريوهات والتصورات والخطط يجب أن يكون جاهزاً لأي تطورات، لا ينبغي أن نتفرج إلى ساعة قد لا يمكن معها مجاراة الأحداث، هذه رسالتنا للدولة.
أما الحوار وصفقات الحوار وكعكات الحوار، فأعتقد أن كل ذلك لا ينبغي أن يحدث الآن، من استكبر وعرقل وناكف الحوارين السابقين، عليه أن يسدد فاتورة الوقت الذي ليس في صالحه البتة.