خلال أيام الأزمة وأمام البذخ الكبير من أصحاب الأجندة الخارجية في تمويل الحراك الإعلامي لتشويه الحقائق على المستوى الخارجي، قال أحدهم: «البخل الممارس ضد الإعلاميين البحرينيين من سنين لم يعد ينفع في هذا الزمن، زمنه انتهى، فمن يدفع أكثر اليوم لتجنيد وتدريب الإعلاميين ويسلحهم بالتكنولوجيا الحديثة هو من ينتصر على خصمه في معركة الإعلام».
ذلك شيء بدا واضحاً؛ فخصوم الوطن من سنين لا تفتح وسيلة إعلامية جديدة، حتى لو وسيلة تواصل اجتماعية عادية كالمنتديات والمدونات، إلا وتراهم أول من يتدرب ويتعلم على استخدامها لاستغلالها ضد البحرين، فموقع التواصل الاجتماعي «التويتر» مثلاً يعملون من سنين عليه ويؤسسون شبكاتهم، ومعظم الإعلاميين والمواطنين لم يعرفوه إلا مع الأزمة.
الأزمة كشفت الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في وضع الإعلامي البحريني ومستواه مقارنة بمستوى الإعلاميين خارجاً، وتفاوت التطور العملي بينه وبينهم، والحق يقال معظم الإعلاميين الذين برزوا خلال أيام الأزمة برزوا باجتهادات شخصية، وهو دليل أننا بلد غني بخامة الإعلامي المتمكن والمبدع؛ غير أن ما ينقصه هو التدريب والتأهيل الجيد وتسليحه بالأدوات الإعلامية والتكنولوجية المتطورة في حربه الإعلامية، والأهم تعليمه على كيفية استخدامها بطريقة فعالة لمصلحة الوطن، وذلك يأتي من خلال الاعتناء بتأهيله وأخذه إلى الدورات والمعاهد الإعلامية المتخصصة التي تبذر فيه بذور التطور الإعلامي هذا وكيفية التفاعل معه.
في هذا الصدد لدينا بالبحرين فريقان؛ الأول فريق شبه جاهز متمثل في أصحاب المؤهلات الدراسية في الإعلام الذين صقلوا موهبتهم بالدراسة العلمية والتخصص، وهؤلاء لا يحتاجون إلا لإيجاد ساحة إعلامية لهم يعملون فيها ويتحركون ويطبقون ما درسوه، وهي بالمناسبة غير موجودة، وإن وجدت في حيز ضيق فهي مليئة بغير المتخصصين الذين لا يسمحون لأي واحد منهم الاقتراب من منطقتها حتى، لأن ذلك يعني انتهاء عهد هؤلاء وبداية نقلة التطور الإعلامي القائم على المتخصصين فقط أسوة بالدول المتطورة، والتي لا يصل فيها إلا الإعلامي الموهوب صاحب المؤهل العلمي الذي يعمل وفق أسس علمية في دراسته الساحة.
كما إن هؤلاء يحتاجون لإكمال مشوارهم التعليمي في تطويرهم أكثر ومدهم بالتدريب اللازم مع النقلة التكنولوجية الحاصلة في قطاع الإعلام ومن ثم تنصيبهم في مناصب لتطبيق ما درسوه من مهارات وأدوات البحث العلمي، ولإدارة الدفة الإعلامية وخط الاستراتيجية العامة للإعلام، بما يتماشى مع سياسة البلد ويخدمها، وعلى فكرة أصحاب المؤهلات الدراسية المرتفعة «ماجستير ودكتوراه» هؤلاء شبه جاهزين في ما يخص عملية القيام بدراسات ميدانية لتحليل الساحة وإيجاد البرامج الوقائية والعلاجية للوطن، والحاجة فقط تكمن في إيجاد كيان يضمهم وإضافة قطاع جديد في قطاع الإعلام البحريني كمركز استراتيجيات ومعهد دراسات إعلامي يجعلهم «يشتغلون بس!».
الفريق الثاني فريق الموهوبين والمبدعين ونجوم الإعلام العاملين في قطاع الإعلام، خاصة أولئك الذين وقفوا خلال أيام الأزمة مع قضيتنا الوطنية واجتهدوا باجتهادات شخصية، الحاجة فقط تستدعي استغلال موهبتهم والجلوس معهم ودراسة أوضاعهم، من لم يكمل دراسته ويتخصص في الإعلام يبتعث ليدرس، ومن تنقصه مهارات إعلامية في استخدام التكنولوجيا الحديثة يستكملها بالدورات التخصصية.
هم بحاجة فقط إلى من يستثمر طاقتهم ويوجهها التوجيه الصحيح نحو خدمة الوطن، صدقوني استثمار الإعلامي حتى وإن لم يأتك بمردود سريع وأنه يحتاج لعدة سنين قادمة إلا أن تدرسيه وتأهيله سيعود بالنفع على الوطن على المدى البعيد، كما لا نغفل أهمية الاعتناء باللغات الأجنبية واللغة الحقوقية الإعلامية الخارجية وتدريب كلا الفريقين، فخطابنا الإعلامي خطؤه الفادح أنه يخاطب نفسه.
الإعلامي البحريني اليوم سواء الموهوب أو حتى حامل المؤهل المتخصص يحتاج إلى التدريب المستمر من خلال إلحاقه بالدورات والورش المتخصصة في الإعلام بشكل مستمر، فحتى حامل المؤهل الدراسي والذي صقل موهبته بالدراسة إن لم يواكب التطور المستمر الحاصل في الإعلام فإنه يبقى كل ما درسه في مكب الماضي، فهو يحتاج لملاحقة إيقاع التغيير الحاصل في وسائل الإعلام وإيجاد نظام إداري صارم يبتعثه لا لدورات وزارة المالية التي معظمها في أمور البرمجة اللغوية العصبية والإدارة؛ إنما لدورات في صلب تخصصه الإعلامي سنوياً.
إن معضلة ميزانية الإعلام هي معضلة متوارثه بين الأجيال الإعلامية المتعاقبة منذ بدء العهد الإعلامي في البحرين أمام سياسة الشح والتقشف والبخل التي توجت أخيراً بهيكل إعلامي يدمج الوظائف الإعلامية ولا يضيف للمنتمين إلى الحقل الإعلامي أي مميزات أو حوافز.
إن ميزانية الإعلام في كل نهاية سنة مالية يعاد نصفها إلى الحكومة رغم أن هذا القطاع التنموي مهم جداً، مما يعني أن هناك أطرافاً تود فقط الظهور بمظهر أنها تستطيع صرف نصف الميزانية، وكأنه إنجاز لا أنه تدمير لهذا القطاع الذي يشكل عصب التنمية وواجهة الدولة في الخارج، ففي مسألة التدريب لبلد مستهدف إعلامياً وتدار رحى الحروب ضده من كل اتجاه تخصص ميزانية حسب مصدر إعلامي من داخل الهيئة قدرها 300 ألف دينار للتدريب، ويا ليت أن جميعها يصرف، فقيمة ما صرف العام الماضي للدورات الخارجية فقط 4 آلاف دينار، والدورات الداخلية 7 آلاف دينار، أي بمجموع 110 آلاف دينار فقط ليعاد ما تبقى منها ويستخدم في مصروفات أخرى من باب المناقلة من باب لآخر تحت شعار «مال البخيل ياكله العيار» فهم يبخلون على تدريب طاقاتنا الإعلامية واستثمارها ويبذلونها في حفلات ومصروفات ثانوية يأكلها «تجار وشركات الشطارة في العيارة».
نأتي للبيت الإعلامي الذي فيه المذيع والمعد البحريني هاجسه اليوم يتمثل في التخلص من شعار «آخ من ظهري وآخ من بطني»، فهو أمام معضلة الاجتهاد بنفسه وتقديم مقترحات برامج تتواكب مع متطلبات الإنتاج الحديثة وبنفس الوقت مطلوب منه الاقتصاد فيما يطلبه من ميزانية فتقلص الميزانية والمستلزمات إلى درجة أن تتقلص فكرة برنامجه إلى فكرة تقليدية روتينية ثم يصدم برفض برنامجه بدعوى أنه مكرر ولا جديد فيه.
ورغم تحويل وزارة الإعلام إلى هيئة شبه حكومية إلا أن معضلة الميزانية تأتي في صرفها وفق نظام حكومي، وإنه لأمر غريب مقابل أنظمة وزارات بعض الدول الخليجية التي لاتزال حكومية، لكن النظام الإداري في درجة تطوره فيها يسير وفق إيقاع القطاع الخاص وأصبحت قنواتها في ظرف عدة سنين قليلة تستقطب جماهير الرأي العربي كلها.
على المستوى الإعلامي العام بالدولة خلال أيام الأزمة اقترحنا تشكيل فريق طوارئ إعلامي يختار من ضمنه أبرز الإعلاميين الشباب في مختلف المؤسسات الإعلامية الحكومية ويدربون ويأهلون ولا يستدعون إلا في وقت أزمات الوطن الإعلامية، فتعذر بعدم القدرة على ذلك بسببين؛ عدم وجود القدرة على تفريغ الإعلامي لتدريبه «يعني لاعب الكرة عادي يفرغ والإعلامي اللي يعتبر اليوم جندي الوطن ما يفرغ»، ومنعاً للتجنيد حتى لا يتحسس الطرف الآخر من باب تجنب عبارة «بلطجية النظام»، رغم أن هذا الأمر حق مشروع، فكما إن كل دولة تعد جيشها الوطني وتأهله للحروب فهناك اليوم حاجة لأن تكون البحرين من الدول الرائدة في إعداد جيش إعلامي، لا المطلوب منها أن تنتظر وترى الدول المتطورة تعد جيوشها الإعلامية، خاصة أمام تغير نمط الحروب في هذا الزمن إلى حرب افتراضية «رغم إنها بالأصل تعد وتجند» كي تقوم البحرين بعد عشرين سنة أو ثلاثين باقتباس نفس التجربة.
- إحساس عابر..
إحدى الإعلاميات تقول؛ حسب اللوائح الداخلية من يؤدي مهمات خاصة يحصل وفقاً للقانون على مردود مالي، لكن المسألة تسير بالمزاج، هناك من يمنعها عن هذا الموظف لأنه «ما يبلعه»، أتتخيلون أن هناك إعلاميين ليس لهم مكتب بالهيئة، بما يعني أنهم بلا هاتف ولا أجهزة كمبيوتر ولا حتى يمنحون قرطاسية، هل رأيتم يوماً إعلامياً بلا قلم ويحضر من منزله ما يحتاجه وكأنه يصرف على الوزارة «لا ويبوقون قرطاسيته بعد!»، ثم يحاسب الإعلامي على عدم الإنتاج، أنت وفر جواً صحياً وبيئة سليمة للعمل قبلها ثم حاسب، وسؤالنا، متى تنتهي سياسة العقاب قبل الثواب، ومتى ينال هؤلاء حقوقهم بدل أخذ الميزانية المخصصة لهم وإعادة نصفها إلى الحكومة؟