يعرض في صالات السينما في البحرين، واحد من الأفلام التي قدمتها لنا السينما الأمريكية في الآونة الأخيرة، ضمن سلسة من الأفلام المحقونة برسائل سياسية بغيضة، مست في بعض جوانبها العقيدة الإسلامية أو الديانات السماوية بشكل عام، وروجت للرأسمالية الأمريكية، وشرعنت الدور الذي تمارسه أمريكا في ادعاء حفظ أمن واستقرار العالم. ولعلك وجدت من بينها واحداً من الأفلام المتمردة على مغزى حقيقي تقدمه للمشاهد، مشحون بكثير من الصور، المستوحاة من قصص القرآن. إنه فيلم الهوبيت: عزلة سموغ (The HOBBIT).
يستمد الفيلم قصته من الرواية الشهيرة «الهوبيت» للكاتب جون رونالد تولكين، والتي تعود لثلاثينيات القرن الماضي. ورغم ما صنفت به كواحدة من الروايات الفانتازية، تلك المعتمدة على السحر وخوارق الطبيعة بعيداً عن العلم، إلا أنها جاءت في جوهرها مبنية على قصص القرآن وعلومه. ولعلها محاولة لتصوير الدين الإسلامي بالخرافة، ولأسطرة قصص القرآن.
يتضمن الفيلم مجموعة متنوعة من المخلوقات والسلالات الغريبة؛ فبالإضافة إلى العنصر البشري، وعنصر نصف بشري ونصف قرد، هناك قبائل «الأورك»، مسوخ أو شخصيات شديدة القسوة والوحشية سادية متعطشة لسفك الدماء، ذوي أعداد كبيرة، وجلد أخضر، يمثلون عدواً مختبئاً في قلعة من الرصاص ذات خندق عميق، لم يحن الوقت لظهورها بعد، ويشكلون فيلقا يمارسون من خلاله أعمالاً شاقة كأعمال التنقيب وتفتيت الصخر. تلك الجماعة مطاردة ومحاربة من قبل جميع المخلوقات تقريباً، وخصوصاً الجان، الذين يحاولون القضاء عليهم وتجريدهم من قوى الشر بنفيهم من المدينة، ليظهر قائد الجان بقرنين كقرني الغزال البري.
وهناك 13 قزماً يتصف أغلبهم بنوع من التهور والغباء، قائدهم يجب أن يستعيد سلطة الأقزام وثروتهم، يواجه صعوبات كثيرة وخطر الإلقاء به في بئر عميق ليحقق النبوءة، يساعدهم رجل من «الهوبيت» يملك خاتم السلطة السحري، الذي يمكنه من رؤية الأحداث والشخوص باختراق الزمان والمكان، كما يمكنه من الاختفاء عن الأنظار وسماع أصوات الحيوانات وفهم لغتهم. يوجه الأقزام شيخ بشري بمثابة الأب الروحي لهم، هو ساحر يحمل عصاه التي يلقي عليها تعويذته لتتحول بيضاء تشع بالنور، يلجأ إلى كهف فيساعده رجل أشعث يبدو من زمن آخر، وتكافح الشيخ الساحر قوى الشر والظلمة وتثير عاصفة غضبها تجاهه حتى تعلقه مصلوباً على جدار قلعة، وإذا بقوة الشر والظلمة تتحول ناراً على صورة شبه بشرية ذات قرون شيطان. كما يتضمن الفيلم كذلك صوراً متفرقة من العناكب وشباكها، والنحلة، والطير، وسهم أسود يقضي على التنين.
إن قراءة متأنية لمشاهد الفيلم تكشف لنا إشارة لقوم يأجوج ومأجوج متمثلة في جماعة الأورك، قسوة ووحشية وسفك دماء وأكل الأخضر واليابس، وأعداد كبيرة، وحفر في الجدار، وإذن من الله لم يحن موعده بخروج فيلقهم، وقلعة من الرصاص أو الحديد كالجدار الذي صنعه ذي القرنين الذي أشار القرآن لصلاحه فيما صوره الفيلم بجني شرير متعجرف غليظ. «حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا، قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا، قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما، آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا، فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا»(الكهف93-99).
يمثل الأقزام الـ13 المتهورون في الفيلم ما جاء في قوله تعالى على لسان نبيه يوسف –عليه السلام: «...‏ إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين‏»(يوسف 4) -مع قليل من التحوير الدرامي للشخصيات- وقائد الأقزام لا يمكنه أن يحصل على ملكه وتحقيق نبوءة الحكم إلا بعد الإلقاء به في غيابة الجب. «قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين»(يوسف 10).
يمثل الشيخ الكبير، بشكل مختلف، مزيج من الأنبياء، فهو الأب الروحي للأقزام وحكيمهم في إشارة لنبي الله يعقوب، والساحر حامل العصا في إشارة لموسى عليه السلام بمكافحته قوى الشر ومجابهته لظلم فرعون وطغيانه، والضعيف الذي سيطرت عليه قوى الشر وصلبته على الجدار في إشارة لعيسى عليه السلام. وتتمثل النار الشيطانية على هيئة بشرية بقرون في واحد من أشهر رموز الماسونية للتأكيد على سعي الماسونية للقضاء على جميع ما سبق من أديان وأنبياء اختزلوا في شخص الشيخ، وكذلك السهم الأسود الممثل للماسونية، وكأن التنين الغاضب الذي يتجشأ ناراً هو الدين الذي يجب محاربته والذي يدعونا لحياة الزهد، وإلا الاكتواء بناره. أما الهوبيت المساعد، فارتبط بسمات عديدة عرف بها نبي الله سليمان، الخاتم، السحر، إدراكه للغة الحيوان ومخاطبته.
ناهيك عن تأكيد نظرية دارون من خلال العنصر المزدوج البشر القرد، والإشارة لأهل الكهف وحيوانات ذكرها القرآن دون سواها، فضلاً عن إشارات متفرقة للقيامة؛ فإما الجنة والثروة التي ينعم بها أهل المدينة وإما نار التنين «سموغ».
لا يعقل طبعاً.. أن كل ما تمحور عليه الفيلم من صور ورموز قرآنية جاءت بمحض الصدفة، إن مثل هذا النوع من الأفلام لا يستلزم المنع من السينما بل على العكس تماماً. إنها تقدم لنا كيف يفكر الآخر، أو كيف يريدنا أن نفكر، وما الذي علينا أن نفكر فيه وفق أجنداته؟ إن هذه الأفلام تستلزم وعياً جماهيرياً أكبر، وعقلاً جمعياً أكثر اطلاعا ونضجا ودراية، إننا بحاجة لحصانة فكرية ودينية لكي لا تضطرب عقائدنا وأفكارنا أمام كل أزمة أو موجة غراس ثقافي وفكري محدد. ويبقى أن هذه الأفلام سلاح ذو حدين، فمن خلال فهمنا لأهدافها يمكننا التعامل معها عكسياً وتحويلها إيجاباً، ولعلها تكون دافعاً أكبر لمزيد من التوعية والوعي. غير أن السؤال الذي لزاماً علينا أن نجعله لصيقا بأذهاننا عند ارتيادنا لصالات السينما، بل وعند التعرض لأي إنتاج أمريكي تحديداً، هو، ما الذي تقدمه لنا السينما الأمريكية؟ وما الذي تفعله بعقولنا؟