تشعر بالملل؟!!
ليس لديك برنامج ترفيه واستجمام؟!!
ظروفك المادية لا تسمح كفاية للسفر والمتعة؟!!
إليك الحل عزيزي..
عرض رائع؛ في فندق فخم.. مع وجبة الغداء.. ووجبات خفيفة أخرى. في أجواء ملؤها الألفة، حيث تلتقي بصنوف مختلفة من البشر يدعى أنهم من ذوي الاختصاص والنخبة في بعض المجالات.. أستوديو للتصوير مع بعض المشاهير من الإعلاميين والساسة ورجال الأعمال.. واجهة اجتماعية ووقت ممتع.. حضور في أجواء أكثر فخامة من حياتك اليومية وظهور محتمل في صور الصحف أو لقطات تبثها القنوات الفضائية.. مع إجازة رسمية وبعذر مقنع، أو حتى بإجازة مرضية، لا يهم. كل هذا تحصل عليه بالمجان أو بثمن بخس عند حضورك «مؤتمر» أي مؤتمر. ما سبق.. ليس عرضاً ساخراً ولا افتراء على مؤتمرات البحرين وإنما هو الواقع الذي تمثل من مراقبة دامت لسنوات في حال أغلب المؤتمرات وفي مجالات مختلفة.. وانعكاس لآراء عدد لا يستهان به من حضور هذا النوع من «المؤتمرات التجارية» الفارغة من الفائدة والمضمون.
من المؤسف.. أن تلتفت إلى زميلك في المؤتمر متسائلاً عما حصل عليه من فائدة خلال يومين أو ثلاثة، أو حتى طيلة يوم كامل.. لتجد إيماءات مبهمة توحي باللاشيء، في إشارة لحيرة أخرى مشابهة اعترت هذا الزميل.. أو ذاك. ولعل واحدة من إجابات الزملاء الطريفة على سؤالي هذا، كانت على مشارف الجلسة الأخيرة من المؤتمر، فإذا بالإجابة: «مازلت أنتظر».!! ويبدو أن انتظار صاحبنا سيطول.. لأنه سيعود -ككل مرة- بخفيّ حنين.
في لقاء جمعني ببعض الأخوة الزملاء من المملكة العربية السعودية، في معرض البحرين الدولي للكتاب قبل ثلاثة أسابيع، وتبادل أطراف الحديث حول نوعية المؤتمرات التي كنا نتشارك حضورها وإياهم.. أبدى بعضهم استياءً شديداً من تردي واقع المؤتمرات في البحرين، وأنها أصبحت مكلفة جداً دون أن تعود على أحدهم بفائدة.. ورفع لي أحدهم كتاباً بيده قائلاً: «أقرأ ثلاثة من هذا.. أنفع لي من حضور مؤتمراتكم!!».. الحق.. والحق يقال.. فإن خاطراً كهذا كان يراودني في أغلب المرات التي أحضر فيها تلك المؤتمرات أنا الأخرى، حتى أصبحت في كثير من الأحيان أكتب مسودة مقال في قاعة المؤتمر، أو أتبادل حديثاً جانبياً أكثر جدية مع زميل أو آخر بجانبي، ثم ما نلبث أن نتسلل إلى استراحة «الشاي والقهوة» لنمنح أنفسنا فسحة أكبر لحديث ذي فكر وقيمة دونما إزعاج لمرتادي المقهى وسادته في دردشاتهم العلنية!
يدعو هذا للتساؤل حول الأسباب الداعية لقيام هذا النوع من المؤتمرات والمنتديات، غير الأغراض التجارية التي تجني أرباحها شركات تنظيم الفعاليات وبعض المؤسسات ذات العلاقة.. وتسويق واسع النطاق بصيغ إعلانية وخبرية متنوعة، مع حصول أغلبها على رعايات الصحف والقنوات الفضائية لتغطية الحدث والإعلان عنه بالمجان.
ترى.. هل أصبحت الثقافة في بلادنا رخيصة لهذا الحد الذي تهمل معه المستوى النوعي للمعرفة التي تقدمها المؤتمرات في المملكة؟ هل أصبحت الفائدة العلمية بخسة لدرجة نحرها عياناً وتبادل أنخاب التجارة والمال في جمجمتها الفارغة؟! هل فقد المسؤولون المعنيون بالأمر من الجهات الحكومية والخاصة، حسهم بالمسؤولية الوطنية وسمعة المملكة، ليتمادوا في نشر خيبتنا واضمحلالنا الفكري والثقافي على المستوى الخليجي تارة والعربي تارة، في مؤتمرات واسعة النطاق لا تسمن ولا تغني من جوع؟!
يدهشني ذلك الانسجام والاتفاق الرهيب بين أغلب مقدمي الجلسات الحوارية، الذين حضروا المؤتمر ليتبادلوا أطراف الحديث على المنصة أمام الحضور.!! عفواً.. أيودّ أحدكم شيشة أو «طفاية» سجائر؟ فإننا في مقهى من نوع مختلف.. أصبح فيه حديث الرفاق للعامة، بل حتى أقاصيص «ابني فلان، وصديقي فلان، وزوجتي النكدية أو الغيورة..» أصبحت جزءاً رئيساً من الجلسات الحوارية للمؤتمرات. وأتساءل؛ هل ولىّ زمان «ورقة العمل» العلمية الجادة، المتمخضة عن بحث وعلم ودراية، وبالمقام الأول إحساس من يقف على المنصة بالمسؤولية؟!
ألم يلحظ أحدكم يا ترى أنه لم يعد ثمة قيمة للإجابة على سؤال «من يحضر المؤتمر؟»، لم يعد هناك أهمية لتحديد الفئة المستهدفة على الإطلاق، فأحاديث العامة للعامة، أما العنوان البراق المتخصص وما يرافقه من تفصيلات إنما هو لوسائل الإعلام وحسب. حتى إنك لا تجد أصحاب الاختصاص في مؤتمر يجب أن يعنى بهم بالضرورة.. وهو مؤشر كافٍ إلى حد كبير، وإن وجدوا فتجد غايتهم من الحضور الالتقاء بزملاء التخصص والمهنة، وتجديد العلاقات العامة والروابط الاجتماعية في تلك الأوساط. واقع مخيب للآمال على كل المقاييس.
ألا يستحق هذا وقفة جادة لمراجعة حجم الحماقات التي تعتري أحد أهم مصادر العلم والثقافة في بلادنا؟