فشلت جميع المحاولات التي تبذل من جميع الأطراف لإقناعنا بأن جماعة الوفاق شيء، والشيرازيين شيء آخر، حين يتعلق الأمر بالعلميات الإرهابية في البحرين، فالاثنان واحد، ليس لأننا متعنتون لا نريد أن نصدق، أو لأننا نريد إدانة الوفاق لكره أو بغض أو أو..، بل لأن الوفاق لا تساعد هذه الأطراف التي تتدخل للوساطة لها والناصحة لها بالابتعاد عن جماعة الشيرازيين، فهي تدين وتساند، تدين وتدافع، تدين وتبرر، لم تقطع الحبل الممتد معها، خاصة في هذه المرحلة الوفاق لا تستطيع أن تبتعد عن الشيرازيين، فات الأوان على ذلك، الوفاق مقيدة بأحكام شرعية تمنعها من الانفصال في هذه المرحلة عن التيار الشيرازي، هناك أولويات.
يختلف التياران ويتقاتلان في الدولة الإيرانية، ربما تلك مرحلة ومكان يجوز فيهما الخلاف، لكن الآن وقت تحديد المصير بالنسبة للمشروع الديني الشامل فالخلاف محرم، لذلك كل ما صدر من إدانات العنف من المدرسة النجفية «الوفاق ومجلس إدارتها العلمائي» ترك الباب موارباً والخيط ممدوداً مع المدرسة الكربلائية أي التيار الرسالي، ونظرة سريعة على جميع تلك البيانات وخطب الجمعة ترى بوضوح تام هذا الحبل الممدود وهذا الباب المتروك مما يحرج حلفاءها وجميع من يتوسط لها.
خطابهم يعتبر المقبوض عليهم من الشيرازيين والمدانين بالإرهـــاب «معتقليـــن» و«أبريـــاء» وموتاهــم فــي المواجهــات «شهداء»، تجريم العنف وتحريمه في خطاباتهم لا يقف عند التجريم ويصمت بل يمده دوماً بأنبوبة الأوكسجين التي تشرعن في النهاية حمل السلاح باستحضار الدوافع «الدفاع عن النفس، الظلم، الإيمان محاربة الفساد، التمييز، الاضطهاد... إلخ» وهذه سمة الخطاب الوفاقي ومرجعياته الدينية وهو اندماج وتماهٍ تام وذوبان مع الخطاب الرسالي الذي ينادي بالجهاد الديني، دائماً هناك باب يترك مفتوحاً للتبرير ويلتمس له الأعذار.
فالانفصال التام محرم وممنوع بأمر المرجعيات الإيرانية، وعموماً لا نتوقع انفصاماً وانفصالاً بين جناحي الجيش الإيراني في الدول العربية -ليس الآن على الأقل- قد يختلفان على التكتيك لكن لا يمكن أن يختلفا على الاستراتيجية أو الهدف الرئيس.
الاختلاف العقائدي في الفروع قد يتسبب في خلافات على آلية العمل وقد يصل إلى حد القطيعة كما هو حاصل في إيران بين مرجعيات دينية كبيرة وآيات الله، لكن هذه الاختلافات العقائدية بين المرجعيات الدينية التي تنوب عن الإمام في الدول العربية ليس لها الآن أن تختلف خاصة ومشروع التمدد الإيراني كله مهدد بالانهيار في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين مما اضطر أجنحته إلى الاستعجال وكشف كل الأوراق بما فيها ورقة السلاح، فحزب الله الآن حمل السلاح والحوثيون حملوا السلاح وعصائب الحق حملت السلاح وفي البحرين أيضاً حملوا السلاح، فإن أعلنت المدرسة الكربلائية «التيار الرسالي» الجهاد وحملت السلاح فامتناع المدرسة النجفية لا يصل عن الامتناع عن تقديم المساعدة والمساندة واعتباره جهاداً شرعياً.
إيران تحاول أن تلملم صفوف «خدمها» في الدول العربية بعد أن احتد الخلاف بينهم الآن في العراق، وهي تفعل ذات الشيء مع الفصيلين البحرينيين، لهذا فلن يسمح بالانفصال التام بين الأجنحة العميلة، لذلك لن تجد خطبة للجمعة أو تغريدة أو مؤتمراً صحافياً أو غيره من منابر التعبير للمدرسة النجفية أي للوفاق وعلمائها ومراجعها الدينية في البحرين المخصصة لإدانة العنف، إلا وجزء من تلك الخطبة أو البيان يترك الباب مفتوحاً بعبارات «التفهم» وعبارات «ولكن» وعبارات «إخوتي وأحبتي» وتسمية الإرهاب بغير مسمياته، كل التغريدات والبيانات والتصريحات واللقاءات الصحافية للوفاق ومرجعياتها الدينية نصفها يرضي الحليف الأمريكي، بإدانة العنف والنصف الثاني يتفهم أسبابه و«يتلكن» كي يرضي السيد الإيراني.
يستحيل ثم يستحيل ثم يستحيل أن تتخلى المدرستان عن بعضهما الآن، فالمرجعيات الدينية متفقة على حدود الاختلاف، لذا فإن كان الحليف الأمريكي أو البريطاني ممن ينفخون في «سلمية الوفاق» يتوقعان انفصالاً تاماً بين التيارين، فإنهما إما يجهلان طبيعة العلاقة بينهما، أو أنهما يعرفانها تمام المعرفة درجة التماهي بين الاثنين، إنما يرجوان السلطة في البحرين أن تمنحها فرصة الانفصال الذي لن يحدث.
خلاصة القول.. الاثنان جناحان في «جيش» واحد، المدرسة النجفية والمدرسة الكربلائية.. الاثنان خدم للمرجعية القمية.