عندما فر يوسف الحوري، مؤسس مشروع القنابل في البحرين، عام 2011 ليبقى نائبه رضا الغسرة يكمل من بعده مسيرة قيادة فرق تصنيع القنابل وتفجيرها ميدانياً في سبيل تغيير هوية وطننا البحرين من بلد المليون نخلة إلى بلد المليون قنبلة، فإن ذلك الأمر كان يلقي بالضوء بديهياً على المواقع الأمنية التي وجب الاهتمام بها وتداركها والتركيز عليها عند التعامل الأمني مع هؤلاء الإرهابيين.
رضا الغسرة الذي يظهر في إحدى صوره واقفاً بالقرب من يوسف الحوري وهما يحملان السلاح مع عناصر الحرس الثوري الإيراني، وهي صورة انتشرت على أدوات مواقع التواصل الاجتماعي، تعد أكبر دليل أن هذين الاثنين قد تلقيا تدريبات مكثفة لأجل قيادة مشروع الانقلاب المسلح الذي جيء به من إيران وحزب الله اللبناني، وأنهما يعتبران فعلاً من أخطر الإرهابيين الموجودين في البحرين، لذا فإن الحاجة الأمنية تبين أن التعامل الأمني مع أمثال الغسرة من الإرهابيين يجب أن يكون مختلفاً تماماً عن التعامل الأمني مع أي سجين عادي يقبع في سجن جو المركزي.
كما إن عمليات القبض المتكررة على رضا الغسرة، الذي تمكن من الفرار من السجن عدة مرات، كانت تبرهن على مواطن القصور الأمني والخلل الحاصل في السجون، وكانت تؤكد أن هناك حاجة لدراسة وضع السجون، والوقوع على مكامن الخلل الحاصلة فيها ومعالجتها وإيجاد طرق وقائية لها قبل أن يتكرر سيناريو الهروب.
الأمر الواضح أن هناك حاجة للتكثيف الأمني بشأن آلية حراسة السجون ومراقبة المساجين وتغييرها، بعد أن تمكن بعض المساجين من الهروب عدة مرات، إلى جانب زيادة عناصر الشرطة، وبالأخص توفير عناصر الشرطة الذين قلبهم على الوطن وأخلاقهم وكفاءتهم بالعمل تشهد لهم بأنه من الصعب اختراقهم ورشوتهم، في سبيل إكمال مسيرة التعامل الأمني الحازمة مع هؤلاء الإرهابيين، فالنجاح ليس فقط في القبض على الخلايا الإرهابية في البحرين وضبطها قبل أن تقوم بأي عمليات تفجير كبيرة، مثل ما حدث في دول عربية مجاورة، وينوون هم اقتباسها وتنفيذها في البحرين؛ بل إن الحراسة المشددة على هؤلاء تعد جزءاً من النجاح الأمني في سبيل القضاء على الإرهاب وإحكام القبضة الأمنية.
للتصحيح؛ فإن رضا الغسرة والمجموعة المطلوبة للعدالة معه ليسوا مجرمين قاموا بجرائم اعتيادية؛ بل هم في نظر المجتمع الدولي الذي يكافح الإرهاب إرهابيون، هذا هو الوضع الصحيح لهم، وترجمة لمفهوم جرائمهم في المجتمع البحريني الذي يحاولون زعزعة أمنه، كما إن رضا الغسرة بالذات لا يعتبر مجرد إرهابي؛ بل هو قيادي للخلايا الإرهابية، لذا فإن دور الجهات الأمنية يجب أن يبقى مستمراً ومتواصلاً ليس في تعقب الخلايا التي تتعامل معه والتصدي لعملياتها ومخططاتها الإجرامية وقطع الطريق أمامها؛ بل حتى في ما يخص التأكد من قطع الطريق أمام رضا الغسرة بعدم تمرير أي توجيهات قيادية وهو داخل السجن، مما يعني أن هناك حاجة للتشديد على حراسة سجون الإرهابيين، فالتعامل الأمني معها يأتي مختلفاً تماماً عن سجون المجرمين الآخرين، بحيث لا تتوافر لهم أي فرص ليس للهروب فحسب؛ بل حتى لتمرير تعليماتهم وقيادة خلاياهم الإرهابية من خلف قبضان السجون والتخطيط معها للتنسيق لعمليات هروب قادمة.
فعملية القبض الأمنية الأخيرة التي قام بها رجال الأمن تعكس جهداً جباراً يحسب لوزارة الداخلية بالعموم، إلا أن ما جاء في تفاصيلها من القبض على العناصر المطلوبة أمنياً ومعهم رضا الغسرة تحديداً، والذي كان بحوزته عدد من الأسلحة، تكشف أن التعامل الأمني مع هؤلاء يجب أن يكون مشدداً ومختلفاً تماماً، وأن هناك من هو متآمر إما في تهريبهم أو تخبئتهم أو مدهم بالأسلحة والمتفجرات، وبديهياً يعني ذلك أن هناك صفاً ثانياً يتولى إكمال مهامهم الإرهابية وهو متورط معهم ومن الممكن كشفه عند ضبط بداية خيط عملية تهريبهم، والأهم أنه كان على اتصال بهم في سبيل إنجاح عمليه تهريب الغسرة تحديداً.
جزء من الأقاويل المنتشرة التي ظهرت مع فترة هروب رضا الغسرة ومن معه من مساجين، كانت تؤكد أن أحد أهم أسباب الهروب هو وجود قصور في أعداد الشرطة الذين يعكفون على الحراسة، وهناك من ذكر أن وضع القصور هذا قد وصل لاضطرار شرطي واحد لحراسة 400 سجين! كما أشارت أنه وبسبب هذا القصور فإن عملية الحراسة ضعفت، وهناك من سمحت له نفسه بقبول الرشى والسماح بإدخال هواتف إلى المساجين وتهريبها مقابل مبلغ محترم يدفع من أهالي السجناء، وهو ما كان يتم منذ فترة طويلة ودون محاسبة ورقابة، لذا فنظرية وجود رشى كانت السبب الرئيس في هروب المساجين مؤخراً، وهي ليست مستغربة لمن يعرف وضع السجن وكيف يدار وعدد طاقم الشرطة فيه، وهو ما يبرهن أن هناك حاجة لإيجاد آلية صارمة تضبط عملية تهريب الهواتف داخل السجون وتمنع إيصالها للمساجين، والتشديد في طاقم الحراسة والاهتمام بنوعية الشرطة الذين يعكفون على حراسة عناصر الخلايا الإرهابية بالذات.
الأمر الآخر الذي يأتي في سياق هذه السلسلة الأمنية المتصلة بدءاً من عملية القبض على الإرهابيين حتى وضعهم في السجون؛ أن هناك حاجة أمنية ملحة تفرض نفسها لإيجاد جهة أمنية تنسيقية تتولى متابعة مختلف الجهات الأمنية في وزارة الداخلية؛ كمراكز الشرطة والسجون وإدارات المباحث وشرطة المجتمع، ودراسة أوضاعها وتقديم المقترحات التي من شأنها أن تغطي مكامن الخلل فيها، وترفع الإجراءات الوقائية الواجبة عند ملاحظة أي قصور فيها بحيث تكون العين الأمنية المراقبة والمتابعة والقادرة على منح الرؤى الأمنية الوقائية التي تسد أي ثغرات وتقوي الجهاز الأمني بكافة جهاته المختلفة في سبيل إيجاد التكامل الأمني الذي يحكم القبضة الأمنية ويشددها.