قد تبدو الحاجة الملحة اليوم في مملكة البحرين للاستماع إلى الطرف الآخر من شارع الشرفاء من أهل الفاتح وتفهم ردود أفعالهم ومواقفهم، كذلك معرفة وجهات النظر من تلك الشرائح التي ترفض الحوار ليس كمبدأ وباب للتفاهم وإسدال الستار على سيناريو التقسيم الطائفي والتأزيم؛ إنما تنظر إليه على أنه قد يكون مطباً وبوابة تحقيق الأوهام الانقلابية وتقديم المزيد من التنازلات لأجل من تلطخت أيديهم بدماء الشهداء الأبرياء من رجال الأمن والمواطنين، فيما لايزال الجرح الوطني لم يندمل بعد، خصوصاً مع تعنتهم في عقد «حوار مشروط» يقتضي بإطلاق سراح ممن ثبت تورطهم وضلوعهم في المخطط الإرهابي الانقلابي على الدولة مسبقاً قبل الجلوس على طاولة الحوار، مما يخل بأدبيات والوضع الصحي لأي حوار طبيعي يتم.
قد يبدو لمن وصل إليه موقف رفض شريحة من أهل الفاتح للحوار أنهم يحملون شعار «لا للحوار» ويعارضونه دون أن يكون هناك انتباه لحجم الضغوطات الدولية أو النظر إلى زوايا بعيدة المدى في المشهد البحريني، غير أن المشهد الفائت، والذي قد يتم إغفاله، أن هؤلاء قد تكون لهم رؤية قد لا تتفق مع الاتجاه العام الذي يمضي إلى طاولة الحوار، وينظرون من زوايا أخرى قد تخدم أيضاً طاولات حوار مستقبلية قادمة وتأتي من تجارب متراكمة وحجم ما تجرعوه من ألم وقهر منذ بدء الأزمة الأمنية 2011 إلى يومنا هذا أمام تعنت الثلة الإرهابية وتماديها في الإرهاب ونقل سلمية المولوتوف إلى سلمية القنابل والتفجيرات، حيث علامة الاستفهام التي لديهم «كيف من الممكن جلوس قادة الإرهاب كطرف في الحوار فيما المعاول الإرهابية لهدم الدولة لاتزال تعمل خارجاً في الشوارع والمناطق، ولاتزال تحاول اختطاف أرواحهم وأرواح رجال الأمن؟»، فإن كان هؤلاء يشترطون قبل بدء الحوار إطلاق سراح سجناء الإرهاب فإن أهل الفاتح أيضاً يشترطون، بل ويطالبون دائماً، بتطبيق قوانين الإرهاب والاقتصاص ممن اختطفوا حياة الأبرياء وأسالوا دماءهم.
في معادلة الحوار المشروط هذه، أهل الفاتح ليسوا طائفيين ولا متعصبين ولا عنصريين يودون إسقاط الأطراف الأخرى من معادلة الوطن، كما يفعل الطرف الآخر الذي يود دائماً أن يكون الطرف الوحيد على طاولة الحوار مع الدولة، بل يودون التحاور مع الأطراف المعتدلة المتزنة لا تلك الإرهابية المجرمة التي وجب الاقتصاص منها وفق منطق العدالة وقانون الإرهاب.
هل تساءل أحدهم يوماً، وهو يتأمل الوضع الإرهابي الحاصل في مملكة البحرين ويتابع كيفية تنفيذ العمليات الإرهابية وتفخيخ المواقع الحيوية والهامة بالقنابل المحلية الصنع، من قام بصياغة مثل هذه المشاريع ودسها في المجتمع البحريني الآمن المعروف بطيبة أهله وبساطتهم وتعايشهم السلمي؟ من قام باقتباس ما كنا نشاهده على محطات التلفاز من عمليات تفخيخ السيارات والمباني وتفجيرها في لبنان والعراق الشقيقة، وجند الشباب وباشر بتسليحهم مهارات صناعة القنابل؟ تلك المشاهد التي كان البال ولو حده التفكير يوماً أن تكون هناك مشاهد مماثله في البحرين لاعتبره ضرباً من الجنون ولما استطاع تقبل الفكرة كمجرد فكرة؟
بعض المواطنين الذين لم تكن فترة أحداث التسعينات بعيدة عنهم كثيراً وشهدوا بعض مجرياتها قد يروح الفكر بهم إلى سؤال من نوع؛ لو تم إحكام القبضة الأمنية منذ تلك الفترة على الانقلابيين الذين حاولوا إيجاد مشروع انقلابي متآمر ضد الدولة وقطع رأس الأفعى الإرهابية المتمثلة في زعماء الإرهاب وأولئك المشاركين في المشهد التأزيمي، والذين كانت عليهم أحكام بالسجن فترتها، أو على الأقل تمت متابعتهم وتقييدهم بقوانين وضوابط بعد إصدار أحكام العفو وإخراجهم من السجون وهم يسرحون ويمرحون في البحرين ويدخلونها كيفما يشاؤون ويسافرون عنها لإكمال صفقات الإرهاب وعقد الترتيبات الخارجية لكيفية إيجاد سيناريو انقلابي ولو بعد عشر أو عشرين سنة من فترة التسعينات، ويعملون على «تفريخ» المزيد من قادة الإرهاب في كل منطقة وموقع بالدولة، وتفخيخ عقول الشباب بالأفكار الانقلابية؛ هل كنا سنصل بالأمور إلى ما وصلنا إليه اليوم؟ هل كنا سنجد وجوهاً أخرى عديدة تظهر وتتولى نفس المهام والأدوار التحريضية، ولكن بشكل بات منتشراً كما الداء يتكاثر في كل منطقة وموقع عمل بالدولة ووجوه أخرى كانت تمارس «تقية النفاق» وصدمنا بعدها على وقاحتها في تبينها ودفاعها عن مثل هذه المشاريع الإرهابية؟
أيهما كان سيكون أكثر فعالية في تلك المرحلة الزمنية الماضية إحكام القبضة الأمنية والضرب بيد من حديد وقطع رأس الأفعى الإرهابية وعدم التساهل معهم أبداً والتفريط في خطورة الأفكار والمشاريع التي يحملونها أو عقد مسلسل تسامح وعفو معهم والتحاور لأجل تحقيق جزء من مطالبهم، والتي ما هي إلا ستار وجسر عبور للوصول إلى غايتهم؟ ألم يكن هذا النهج هو البوابة التي فتحت لهم فرصة زراعة الخلايا الإرهابية والانقلابية في أهم مفاصل الدولة ومواقعها الحساسة والمهمة؟ ألم تكن هذه السياسة هي التي مكنتهم من تحقيق سياسة احتلال مواقع العمل بالدولة ومن ثم تحويلها إلى مواقع إضراب عام يتم فيها التطاول بالضرب والتخريب والكسر والحرق على أهل الفاتح خلال الأزمة الماضية؟
من الأسئلة المنتشرة في أوساط المواطنين هذه الأيام أيضاً، مع بدء العد التنازلي تمهيداً لإطلاق الحوار؛ لو عاد مسلسل التسامح وعدم تطبيق قوانين الإرهاب مع هؤلاء؛ فكم من سنوات قادمة أخرى ستأتي لأجل تكرار إكمال محاولات تنفيذ السيناريو الانقلابي؟ وهل في كل مرة «ستسلم الجرة» كما سلمت ولله الحمد في التسعينات وفي عام 2011؟ ما هي الضمانات التي من الممكن إيجادها لكي تساهم في سد أية منافذ لإيجاد سيناريو انقلابي مستقبلي آخر وبعثرة أوهامهم التي قاموا بخياطتها وتفصيلها من سنين، وما ينقصهم هو مجرد إلباس البحرين وشعبها بها؟ إلباسهم برداء إيراني طائفي لا يتماشى مع عروبة وتاريخ هذه الأرض الخليجية؟
من ضمن علامات الاستفهام والأسئلة أيضاً؛ هل كان هؤلاء سيصلون إلى ما وصلوا إليه اليوم في قيادة الإرهاب واستخدام أوراق الإرهاب كأدوات ضغط على الدولة وبرعاية خارجية لولا أنه تم منحهم الفرصة لذلك من خلال مسلسل «حسن النية والتسامح» الذي تم التعامل فيه معهم؟
قادة الإرهاب اليوم كانوا بالأمس مشاركين ومتآمرين في مشروع الإرهاب الانقلابي خلال فترة التسعينات، هم أنفسهم وبنفس الوجوه تحول بعضهم بين ليلة وضحاها إلى قادة إرهاب ميدانيين، فيما آخرون قادة إرهاب بالخارج يقسمون الصفوف ويجندون الشباب ويقودونهم إلى معسكرات تدريبية خاصة في العراق وسوريا ولبنان ليعودوا ويتواجدوا بيننا كخلايا إرهابية وانقلابية نائمة لا يبدو عليها حتى معرفه كيفية حمل السلاح والرماية، فيما هم بالحقيقة وفي ساعة إعلان الانقلاب العسكري مدربون ومجندون ويعرفون حتى كيف يصطفون في طوابير عسكرية؛ بل وبزي عسكري موحد كمثل تلك التي تظهر وإن كانت بشكل غير مباشر «يزعم» في مواسم عاشوراء ويستخرجون من مستودعاتهم المخبئة ومخازنهم أسلحة الانقلاب العسكري ضدنا؟
- إحساس عابر «1»..
عناصر حزب الله المتسللة إلى البحرين تحت تأشيرات عمل مهنية لاتزال تصوغ المخططات الانقلابية وتبث سموم الفتن إلى شارع الشرفاء آملاً في أن تعم الفوضى، فليحذر المواطنون من التسرع وعدم التأكد من صحة التسريبات التي يصيغها لهم الخونة، أما لمن يروج للشائعات بغرض فك التلاحم الحاصل بين القيادة والشرفاء نقول له؛ هذا عشم إبليس في الجنة.