العملية التي راح ضحيتها شابان بحرينيان تفحماً، وأصيب فيها ثالث بحروق من الدرجة الثانية في قرية المقشع السبت الماضي مدبرة. هذا أمر أكيد وغير قابل للنقاش، فمثل هذه العمليات لا يمكن أن تأتي صدفة، فلابد أنه تم الترتيب لها بدقة وعناية!
في وضع كالذي صرنا فيه بسبب ضيق أفق ذلك البعض الذي سلم الخيط والمخيط لمن تختلف أهدافهم عن أهدافه وإن التقت معها مرحلياً، في مثل هذا الوضع من الطبيعي أن تتهم الجهة المتضررة «قوى المعارضة ومن يتبعها وتتبعه» الحكومة، فتقول ومن دون تردد إن العملية مدبرة وإنه تم التخطيط لها بدقة، وإن الغالب أنه قد تم وضع قنبلة لاصقة في السيارة تم توقيتها أو تفجيرها عن بعد في اللحظة التي تأكد فيها ركوب الضحايا في السيارة، بينما تؤكد الجهات المسؤولة «وزارة الداخلية» أن ما حدث هو نتيجة سوء تدبير الضحايا الذين كانوا يخططون لنقل قنبلة بالسيارة لزرعها في مكان ما بغية تفجيرها في رجال الأمن أو في مكان ما لإشاعة الفوضى.
لن أتحدث عن تفسير الداخلية لأنها وفرت المعلومات الأولية وعبرت عن وجهة نظرها، ولأن موضوعاً كهذا سيظل إلى حين رهن التحقيق لمعرفة ملابساته، وسيتم بالتأكيد شرح كل ما حدث بالتفصيل وبالأدلة والبراهين، لذا سأهتم بمناقشة وجهة نظر الطرف الآخر الذي يقول إن العملية مدبرة من الداخلية.
في البدء مهم التأكيد على أن العملية لم تحدث في وقت متأخر من الليل وإنما في وضح النهار «حوالي الواحدة ظهراً» وفي مكان لا يخلو في كل الأحوال من المارة، أي أن عملية زرع القنبلة في السيارة من قبل عناصر الداخلية أمر غير منطقي لأنهم لن يتمكنوا من القيام بذلك في وضح النهار، ولأنهم لو قاموا بها ليلاً لانفجرت فجراً أو صباحاً أو انفجرت وليس فيها أحد أو وهي تسير في الشوارع. وعلى افتراض أن عنصراً من الداخلية قام بزرع القنبلة في السيارة؛ فما هي هذه الصدف التي ترتب معها الانفجار في اللحظات التي ركب فيها الضحايا السيارة؟
منطقياً لا يمكن قبول فكرة زرع القنبلة من قبل المخابرات لأنها لو كانت قنبلة موقوتة لما انفجرت بالضرورة في الضحايا الذين لا يمكن أن يضمن من يراقبهم -لو كانوا مراقبين- خروجهم من بيوتهم في تلك اللحظة وركوبهم السيارة، ولو لم تكن القنبلة موقوتة وكانت مربوطة بعملية تشغيل السيارة لربما لم يكن الضحايا هم الهدف ولكانت الجهات الأمنية قد تورطت في قضية قتل.
العالم بخفايا الأمور هو الله سبحانه وتعالى، ولكننا كبشر وغير متخصصين نحلل بما هو متاح لنا من معلومات ومعطيات وبما يتوفر لنا من خبرات وتجارب، لذا فإننا مع هذه المعطيات نقول ومن دون تردد إن ما تقول به «قوى المعارضة» بعيد عن المنطق، وأن ما تقول به قوى الأمن قريب من المنطق.
لا شماتة في الموت، والضحايا هم في كل الأحوال أبناء البحرين، لكن لعل الخبرين التاليين اللذين نشر أحدهما السبت يؤكدان صحة تحليلنا. يقول الأول «لبت الجماهير نداء تيار الوفاء الإسلامي -عضو التحالف من أجل الجمهورية- فخرجت في مسيرات بالأكفان» «يوم الجمعة»، بينما يحمل الثاني تعزية التيار لقناة المنار «لمواقفها الإعلامية المقاومة» بمناسبة «استشهاد» ثلاثة من كوادرها في سوريا، ويشيد بـ«الدور الكبير الذي تلعبه قناة المنار في تغطية أخبار الأمتين العربية والإسلامية ونشر فكر المقاومة والممانعة».
يعني؛ أكفان والمنار وفكر المقاومة وتعزية خاصة ووصف لمن قضى في تفجير المقشع بالمجاهدين، ثم تأتي لتقول إن العملية مدبرة من الداخلية؟ هل كيف يعني؟!