بمناسبة ذكرى مرور 25 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مملكة البحرين وجمهورية الصين الشعبية، أقيمت في مملكة البحرين عدة فعاليات احتفالية وفكرية وثقافية منها إصدار سفارة الصين كتاباً جميل الإخراج بديع المحتوى وعميق المعاني اشتمل على عدة رسائل ضمنية استهدفت إبراز طبيعة العلاقات من خلال ثلاثة رموز:
الرمز الأول: إظهار العلم الصيني والعلم البحريني، وكتابة الإصدار باللغتين الصينية والعربية، وتصدر الكتاب صورة لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين والرئيس الصيني شي جين بنج يتصافحان، وهذه صورة مأخوذة من زيارة جلالة الملك للصين في سبتمبر 2013، يليها كلمتان لكل من وزير خارجية الصين وانج يي ووزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة.
الرمز الثاني: صور للقاءات كبار الشخصيات التي رافقت جلالة الملك في الزيارة، وفي مقدمتهم سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء، والذي كان له دور رئيس في إقامة تلك العلاقات عندما كان وزيراً للخارجية، واتفق مع نظيره الصيني على ذلك. والواقع أن سمو الشيخ محمد بن مبارك أصبح هو المسؤول عن متابعة التقدم في علاقات البلدين بتكليف من جلالة الملك بعد زيارة الصين في سبتمبر 2013، ثم صور لمعالي خليفة الظهراني رئيس مجلس النواب، ومعالي علي صالح الصالح رئيس مجلس الشورى، وهما يصافحان ويتحدثان مع الرئيس الصيني.
ولا شك أن السنة الحميدة التي سنها الملك حمد بن عيسى في أن يرافقه رئيسا مجلسي البرلمان وكبار رجال الدولة ورجال الأعمال في زياراته للدول الأجنبية دليل على بعد نظر الرؤية الصائبة لجلالة الملك، وعلى الممارسة الديمقراطية الصحيحة، لأن قادة آخرين لا يهتمون بتلك الممارسات، ولكن الملك حمد بن عيسى، باعتباره رمزاً لهذه المملكة، كان حريصاً على مشاركة كافة المستويات التنفيذية والتشريعية في أنشطته وزياراته الدولية، وبذلك يحدث التناغم في أعمال الدولة من حيث القرار ومن حيث الممارسة والتنفيذ.
الرمز الثالث: هو اتفاق جلالة الملك والرئيس الصيني على إنشاء معهد كونفوشيوس في جامعة البحرين، ولهذا ظهر ممثل هذا الرمز في الصورة مع الرئيس الصيني ألا وهو الدكتور إبراهيم جناحي رئيس جامعة البحرين التي أسندت إليها مسؤولية استضافة معهد كونفوشيوس، وكما هو معروف، فإن كونفوشيوس هو أشهر مفكر ومعلم وفيلسوف صيني، بل يمكن القول إنه فيلسوف الفلاسفة، والاطلاع على تاريخ حياته حيث ولد عام 551 ق.م وتوفي عام 479 ق.م يشعر المرء بالعجب العجاب فهو نشأ يتيماً وفقيراً، وكان حريصاً على أن يحقق الإنجاز والإبداع والتفوق في العلم والمعرفة، وتولى بعض المناصب الصغرى في ولاية «لو» مسقط رأسه وعندما عرض عليه منصب رئاسة وزراء ولاية شى Chi، اعتذر وفضل التفرغ للعلم والتعليم. هل نجد شخصاً مثل ذلك في عالمنا العربي اليوم؟ أم أن هذا من المستبعد إذ إن الناس يتقاتلون على المناصب، في حين أن كونفوشيوس وهذا الشخص يرفض منصباً رفيعاً.
إن عالم القرن الحادي والعشرين هو عالم المعرفة ابتكاراً وإبداعاً وتنفيذاً ولذلك أصبحت المعرفة صناعة وثروة وليس عالم البيروقراطية والشهادات والدرجات الشكلية. لقد سقط الاتحاد السوفيتي السابق نتيجة عملية تجسس بسيطة قامت بها الولايات المتحدة وهي استقطاب رئيس شؤون الأفراد في الدولة، ولم تطلب منه أية معلومات ذات طبيعة سرية، وإنما اقترحت عليه أن يرشح لأية وظيفة مهمة أسوأ ثلاث شخصيات في البلاد وهكذا انهار تقدم الاتحاد السوفيتي وانهارت الدولة، لأن حسن اختيار الشخص المناسب كفاءة وعلماً وإنجازاً هو الأهم، وليس البيروقراطي الإداري الجالس على مكتب والذي يعيش في الماضي وليس المستقبل، والمسألة بالفكر وليس بالشهادة أو السن.
لقد تولى دنج سياو بنج قيادة الصين وكان عمره أكثر من سبعين عاماً وأحدث معجزة صناعية في بلاده وأطلق الفرص للشباب لقيادة الإدارة والعمل اليومي وتخلى عن السلطة وهو في أوج إنجازاته. وفي نفس الوقت لم يترك الكبار من ذوي الخبرة والرؤية وإنما استفاد بهم في مراكز الأبحاث والجامعات والمجلس الاستشاري ومجلس نواب الشعب وغيرها.
وبمناسبة افتتاح معهد كونفوشيوس في البحرين أتمنى ألا يصاب مبكراً بداء الجمود والبيروقراطية، ويتحول لإدارة بيروقراطية من إدارات الدولة، ومن ثم يتم دفنه والقضاء على الإبداع الفكري الذي انبثق من المعلم الأول كونفوشيوس، والذي سبق تاريخياً سقراط وأفلاطون وأرسطو، وقراءة حولياته وما كتبه تلامذته، توضح بعمق أن فكر هذا الفيلسوف ينتمي للقرن الحادي والعشرين، وربما ما بعد ذلك، ولهذا فرغم القمع الرهيب في بداية النظام الشيوعي في الصين والذي بلغ أشده في الثورة الثقافية 66-1976 وهاجمت بعنف كونفوشيوس واعتبرته ممثلاً للإقطاع كما هاجمت الديانات السماوية باعتبارها رمزاً للتخلف أو أفيون الشعوب كما أسماها كارل ماركس، ولكن الواقع يثبت أن البقاء للأفيد والأصلح وصاحب العبقرية، فلذلك عاد كونفوشيوس يعبر عن الصين حضارة وفلسفة وفكراً وتطلعات ومستقبلاً. وعادت الأديان للصين فتزايد عدد أتباعها اعتناقاً وممارسة في ظل مبدأ الحرية الدينية.
إن البعد الأول في رمزية الاحتفال بمرور 25 عاماً على العلاقات البحرينية الصينية الذي تتبناه الصين ينبع من الدفعة القوية التي أعطتها زيارة جلالة الملك للصين، للعلاقات والتي سبقتها زيارات لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان للصين عام 2002 وعام 2007 وصاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم قرينة عاهل البلاد وزيارات أخرى لمعالي وزير التعليم الدكتور ماجد بن علي النعيمي منذ كان رئيساً لجامعة البحرين وغيرهم من كبار القادة والمسؤولين.