قال مقتدى الصدر في بيان «اعتزاله السياسة» إن ذلك يأتي حفاظاً على سمعة عائلته، لا لشيء آخر، لا من أجل الشعب العراقي، ولا احتجاجاً على سياسات نوري المالكي.
في الوهلة الأولى ترى هذا العمل بطولياً في ظاهره، وإن كان ليس كذلك لا في باطنه ولا في ظاهره، وكما يقول المثل، إذا عرف السبب بطل العجب، فهذا الخيار لا يخرج عن أحد أمرين.
الأول أن الانتخابات البرلمانية المقبلة في أبريل أصبحت قريبة جداً وأن رصيد التيار الصدري قارب على النفاد خاصة من بعد أن صوت نوابه الأربعون من أصل 325 نائباً على قانون التقاعد الخاص بامتيازات النواب وكبار المسؤولين بالحكومة، الأمر الذي أثار سخطاً شعبياً ادعى عقبها أن نوابه لم يرجعوا إليه.
الأمر الآخر، أن المستفيد الأكبر من هذا الانسحاب ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، ولا يستبعد المراقب أن تكون طهران قد أصدرت أوامرها للصدر بالانسحاب لتوحيد الكتلة «الموالية لإيران» لتمكينها من خوض الانتخابات بشكل أقوى، حيث إن فصيل الصدر هو الأقوى منافسة لهذا الائتلاف.
الأمر الآخر، أن هذا الاعتزال هو الثاني من نوعه، ففي المرة الأولى اعتزل مقتدى الصدر فخرج مؤيدوه في مظاهرات يطالبونه بالعودة فعاد، وهذا الاعتزال الثاني لا نستبعد أن يكون اعتزالاً غير جاد مثل الأول، حيث يتضح أن الاعتزال هنا عبارة عن ورقة وليس قراراً مسؤولاً.
المالكي الذي يسعى للحصول على ولاية ثالثة، كان الصدر من أبرز معارضيها ظاهراً، فتيار الصدر وائتلاف دولة القانون، هما عبارة عن تيارين يخدمان نفس الجهة عن طريق تبادل الأدوار -إن لم يكن باتفاق بينهم فبإدارة إيران- وأن قراءة بعض التحليلات العراقية المنصفة، توضح أن هذا الانسحاب يصب في صالح المالكي بشكل رئيس وليس في صالح أحد آخر، ومثل هذه القرارات لا يمكن أن تصدر إلا من طهران مباشرة.
وقد أصدرت كتلة «متحدون للإصلاح» السنية بزعامة رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك بياناً ناشدت فيه الصدر العدول عن الاستقالة، «كون منهجية آل الصدر كانت التصدي والمواجهة من أجل تغيير الواقع والارتقاء به».
كما إن هناك اتفاقاً مسبقاً قد تم بين الصدر و«الكتلة الكردية» و«القائمة العراقية» على الإطاحة بحكومة المالكي وطرح الثقة عنها نهاية العام الماضي، وما غياب الصدر في هذه اللحظات الحرجة إلا تعزيز لحظوظ رئيس الوزراء في البقاء في السلطة، والانسحاب هو أفضل طريقة مهذبة لدعم المالكي بشكل غير مباشر، دون أن يدري أحد!.
إن الأمور أصحبت الآن ليس كما نراها ويتم الإعلان عنها، بل لها مغازٍ وأهداف أخرى، يتبين للفاحص والناقد في النهاية أن تلك الأحزاب التي تتناكف ظاهراً، ما هي إلا عمامات من قم تأتمر بأمر طهران، وتوضح لك شكل الاحتلال الإيراني الجديد للعراق، نستطيع أن نسميه «الاحتلال الديمقراطي المسلح!».