(1)
هناك صورة تتشكل منذ فترة ليست بالقصيرة، وهذه الصورة لا يجب أن تمر هكذا، بل من الواجب علينا كمجتمع وكدولة أن نقرأ هذه الصورة جيداً، وأن نعي ما بها، وأن نستقي الدروس منها، ذلك أن المستقبل يرتبط دائماً بقراءة الواقع واستشراف المستقبل، ومن يخطئ في قراءة الواقع سيتعثر في المستقبل.
حين أخذت أركب أجزاء الصورة مع بعضها، كما كنا نفعل حين كنا نعلب صغاراً بتلك الأجزاء الكارتونية التي تضع بعضها ببعض حتى تكتمل الصورة، البعض وهو صغير كان يستطيع أن يركب الصورة لوحده، والبعض الآخر يستعين بوالديه ليركبها له، وإن فعلا له ذلك، فإن هذا خطأ كبير، يجب أن يتعلم الطفل كيف يركب الصورة لوحده، حتى وإن أخطأ مرة واثنتين وثلاث.
فغداً سيكبر وسيواجه المجتمع، وأصناف البشر، وسيكون بحاجة لأن يركب الصور في خيالة لوحده، حتى يعرف كيف يتعامل مع الآخرين، عندها لن يكون والداه معه في كل تحركاته ليركبا له الصورة، أو أنهما بفارق العمر والخبرات، قد يركبان له الصورة بشكل خاطئ..!
اجتهدت لأركب صورة واقعنا، وللمجتهد أجران إن أصاب وأجر إن أخطأ، ما نراه اليوم من الانقلابيين ومن في حكمهم من حالة تخبط وضياع، إنما يعكس بالدرجة الأولى ثبات الدولة على بعض المواقف «وكنا نتمنى أن يكون هذا الثبات لكل المواقف».
اليوم أخذوا يحجون شرقاً وغرباً بحثاً عن استجداء الغرب ليضغط «بحسب بياناتهم» على الدولة من أجل أن تبدأ بالحوار، ذهبوا إلى أوروبا وإلى أمريكا، وغداً يذهبون إلى جنوب أفريقيا، وروسيا وغيرها من الدول من أجل ذات الاستجداء، وأجد أن في ما يفعلونه إنما هو مهانه لهم، هكذا أرى، خاصة أن من يستقبلهم إنما هو بتمثيل ضعيف من الحكومات، بل إن تقبل كلامهم أيضاً أصبح دون مستوى طموح الانقلابيين بكثير، لكنهم دجالون كما تعرفون، يظهرون صورة للرأي العام تختلف عن الواقع وعن انكسارهم.
حين يخرج ديكتاتور ولاية الفقيه من فوق المنبر ليستجدي الحوار، فماذا يعني؟
حين تذهب الجمعية الانقلابية مع الأقزام الصغار ويحجون إلى أوروبا وأمريكا استجداءً للحوار، فماذا يعني ذلك؟
أولاً هؤلاء ليسوا دعاة حوار أو دعاة حل وطني إطلاقاً، إنما يفعلون ما يفعلون من أجل إظهار أنفسهم أمام العالم أنهم مع الحوار، ويريدون إخفاء طائفيتهم خلف ظهورهم، وإلا فإنهم يريدون حلاً طائفياً على مقاسهم، والحل الطائفي إنما هو نقيض الحل الوطني.
حالة استجداء الحوار ماذا تظهر؟
من كان يرفض الحوار في 2011 من فوق المنبر، ورفض مبادرة سمو ولي العهد حفظه الله لحل الأزمة كان في ذلك الوقت يريد مجلساً تأسيسياً يضع دستوراً جديداً، حين أخذته العزة بالإثم، وظن أن تجمع الدوار سيحدث انقلاباً على الشرعية خاصة مع موجة تونس ومصر وليبيا، وأن الدولة في ذلك الوقت تنازع وتقدم تنازلات كبيرة، وأن مبادرة الدولة ليست كافية، وكان الولي الفقيه يفرض إملاء مجلس تأسيسي يضع دستوراً على المقاس الطائفي.
انظروا من كان يملي تلك الإملاءات في ذلك الوقت استكباراً ببضعة نفر في الدوار، انظروا ماذا يطلب اليوم..؟
إنه يستجدي الدولة لأن تبدأ الحوار مع كافة المكونات..!
إلى هذا الوضع وصل.
وإلى ذات الوضع وصلت الجمعية الانقلابية مع بقية الأقزام.
كل ذلك يحدث بفضل وتوفيق من الله سبحانه أولاً وأخيراً، رب العباد أعمى بصيرتهم وبصرهم، فأصبحوا اليوم هكذا.
ورب العباد بفضل دعاء الموحدين الذين لا يشركون بربهم أحداً وفق قادة البلاد لأخذ قرارات بعينها والحمد لله أولاً وأخيراً.
(2)
كتبت سابقاً أن الجمعية الانقلابية أصبحت مثل الـ».....» التي تريد.. ولا تريد..!
اليوم هم كذلك، يريدون الدخول في الانتخابات لكنهم يتمنعون، وهم يعرفون أنه كلما مر الوقت أصبحوا خارج اللعبة، خاصة أنهم أقدموا على غباء الاستقالة من البرلمان، والحمد لله أن رب العباد قد أعماهم عن الكثير ووقعوا في كوارث كثيرة بأنفسهم، وليس بسبب مؤامرة من غيرهم.
الآن هم يتخوفون من أمر آخر، أصبحوا في خوف كبير من التحالف السعودي الإماراتي البحريني المصري الأردني، هذا التحالف خاصة بعد الانتخابات المصرية أصاب الانقلابيين في «حيص بيص» هم يدركون أن هذا التحالف سيشكل رسماً آخر للمنطقة، وأن الذين يتوجسون من هذا التحالف طرفان كبيران «الإيرانيون والأمريكان» والطرفان حليفان للانقلابيين في البحرين.
هناك صورة كبيرة تتشكل في المنطقة، وهذه الصورة تلقي بظلالها على الانقلابيين بالبحرين، من هنا تجدهم اليوم يذهبون للغرب وللأمريكان يستجدونهم أن يضغطوا على حكومة البحرين لتبدأ بالحوار..!
كل هذه الصورة تبين لدى المراقب أمراً مهماً جداً:
أولاً: ثبات الدولة على مواقفها داخلياً جعل الآخر يتراجع وينكفئ، حتى أصبح مطلبه الكبير «أن تبدأ الدولة بالحوار»..!!
ثانياً: قيام الدولة بإجراءات داخلية «كنا نمتعض منها كثيراً في وقتها» هذه الإجراءات أظهرت البحرين بشكل ممتاز أمام الرأي العام العالمي، وأمام المنظمات العالمية، كان أولها ذكاء وحكمة جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه في تشكيل لجنة بسيوني، عندها وفي وقتها كان خبر هذه اللجنة كما الصاعقة على أهل البحرين، لكن اليوم عرفنا الحكمة من هذه اللجنة، وكيف كان الرجل الأول حكيماً في قرار اللجنة رغم أن لها تبعات سيئة بعض الشيء، إلا أن البديل كان أكثر سوءاً من قرارات اللجنة بكثير، وهذا ما يعلمه العامة.
ثالثاً: قيام قادة البحرين جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد حفظهم الله بجولات ولقاءات رسمية على المستوى الدولي وزيارة دول كبيرة ومؤثرة شرحاً للوضع الحقيقي بالبحرين، وبناء تحالفات مع هذه الدول، جعل الانقلابيين يلفون حول أنفسهم، ويضربون خمساً بخمس، من بعد أكل «الخمس».
رابعاً: قيام حكومة البحرين الموقرة بإصدار قرارات وقوانين منذ 2011 تصب في سيادة الدولة، ومعالجة أخطاء سنوات سابقة، وإصدار قوانين تخنق الإرهابيين وأولها وأهمها سقوط الخدمات التي تقدمها الدولة مجاناً عن الإرهابي «رغم أن بريطانيا شرعت قوانين أشد إبان أزمة لندن» إلا أن ذلك خطوة جيدة، نتمنى أن تطبق سريعاً، فلها تأثير كبير على الإرهابيين ومن يدعمهم.
خامساً: ربما من الأمور التي كنا ننتظر أن تطبق من قبل الدولة هو أن تقوم بإجراءات قانونية قوية ضد المحرضين من فوق المنابر، وضد السياسيين المحرضين، وضد الجمعيات الطائفية التي أنشئت على أساس مذهبي طائفي، هنا نجد بعض التردد وبعض التأخير، وأعتقد أنه لو طبق القانون على هؤلاء لبلع البقية ألسنتهم، تماماً كما اختفت ألسن من تم تحويلهم للقضاء على خلفية تجاوز القانون من السياسيين.
سادساً: في اعتقادي أن على الدولة ألا تتعامل «بحسن نية مفرطة» كما كانت تفعل قبل 2011 مع الكثير من الأمور، المواطن الذي يقف مع بلده ومع سيادة القانون ومع سيادة الدولة ليس مثل الذي يطعن في الظهر، الاثنان لا يستويان، وحالة حسن النية يجب أن تنتهي، نريد أن يكافأ المحسن، ويعاقب كل مسيء، هذا أهم أولويات المرحلة القادمة.
من المفترض أن يعرف الجميع، تاجراً أو فرداً أو سياسياً، أن من يطعن وطنه يجب أن تقطع يده، ومن يسند ظهر وطنه في الشدة، يكون الوطن سنده في الرخاء، وهناك أمور كثيرة تستطيع الدولة أن تفعلها من غير قانون ولا تشريع.. هل وصلت الرسالة..؟
كل هذه الصورة ماذا تجعلنا نرى اليوم؟
(3)
في اعتقادي أهم درس في كل ما جرى هو الثبات على الحق، والتدرج في دحر من يريد الاستيلاء على الدولة.
حين ثبتت حكومة البحرين ممثلة في سمو رئيس الحكومة ونائبه الأول حفظهما الله أحدث هذا الثبات اهتزازاً وتراجعاً لدى الانقلابي، الثبات وعدم الركون للإملاءات الأمريكية أو البريطانية أو إملاءات المنظمات الدولة كان سبباً في أن يتراجع من كان يظن أن إحلال الفوضى بالبحرين سيجعل الدولة تقدم كل تنازلاتها، الرهان على الخارج وعلى الفوضى كان خاسراً، والحمد لله أن رب العباد وفق قادة البحرين على الثبات على مواقفهم الوطنية، ونتمنى المزيد من الثبات.
(4)
من يريد أن يركب سفينة البحرين، ويكون واحداً من الركاب فأهلاً وسهلاً، ومن يريد أن يكرب السفينة ليخرقها «أو يختطف السفينة» فلنقطع جميعاً يديه، ذلك أن السفينة ستغرق بعد حين، أو أنها ستذهب من بعد الاختطاف شرقاً، التساهل في قطع يد من يريد خرق السفينة، سيجعله يعيد خرقها مرة بعد أخرى «وهذا حالنا منذ الثمانينات»، إما ألا تجعله يركب السفينة، وإما أن تقطع يديه..!
(5)
الدرس الأول كان الثبات على المواقف الوطنية، أما المحور الآخر الذي نتمنى أن يأخذ به صاحب القرار «ونحسبه مطلعاً على الصورة أكثر منا، ولكن التذكير واجب» هو أن ترضخ الدولة والقوى الوطنية الرئيسة إلى مطالب الانقلابيين في تعديل الدوائر بحسب مقاسهم الطائفي.
هناك هدفان رئيسان من بعد فشل الانقلاب وهو استنساخ حالة لبنان، وذلك لن يأتي إلا بتعديل الدوائر بشكل طائفي، وصلاحيات كاملة للبرلمان الذي سيصبح نتيجة للدوائر الانتخابية الطائفية «برلماناً طائفياً» مما يعني خنق الدولة من خلال السلطة التشريعية، وهذا هو المطلوب.
حتى يقول الانقلابيون إن شرعيتهم تنطلق من شرعية الناخب وبالتالي هم الذين يحق لهم أن يمسكوا البلد.
كل هذه الأهداف أعتقد أن صاحب القرار يعرفها، لكن هل ستسلم الدولة وبقية القوى الأمر إلى الانقلابيين حتى تكون هذه هدية لمشاركتهم في الانتخابات؟
لا ينبغي تقديم هدايا، هم أنفسهم يريدون المشاركة ويتحرقون شوقاً لها، وإن أحجموا، فهم أنفسهم يعرفون حجم خسارتهم، هذه رسالتنا، لا يجب أن تتغير الدوائر على المقاس الطائفي ولا يجب أن يقدم أي نوع من الهدايا لمن يستحق العقاب..!