هل السادة النواب منزعجون من وجود الأجانب في البحرين؟!
إذا كان منظر الأجانب يزعجهم كثيراً؛ فأقترح عليهم أن يضعوهم في سفن ومناطيد كبيرة ويلقوهم في البحر طعاماً للأسماك، فتلك وسيلة أسرع للتخلص من إزعاج هؤلاء «الغرباء» ومزاحمتهم لهم في الشوارع..
يبدو أن كثيراً من السادة النواب أبوا ألا يتم الانتهاء من الفصل التشريعي الحالي، إلا بوضع «وصمة» جديدة تضاف إلى ما اقترفوا من «وصمات» بحق البحرين، وذلك عبر تمرير قانون المرور الجديد، خصوصاً مادته المتعلقة بمنع الأجانب من السياقة.
فكما عملوا في السابق على سحق طموحات وآمال كثير من مواطنيهم؛ عبر إقرار استقطاع التعطل الـ (1%) الذي لم يؤخذ رأي الناس به، مروراً بقانون تقاعد النواب، وتمرير موازنات غير مفهومة، وعدم زيادة الرواتب للعاملين والمتقاعدين، وعدم القدرة على تقديم أية اقتراحات تساهم في المشكلة الإسكانية، والعجز التام أمام تقارير الرقابة المالية، ووصولاً الى كثير من الملاسنات والمسرحيات الهزلية.
كل ما سبق أدى الى وجود «عقدة» لدى البعض، مفادها الخروج بقانون، أي قانون، يرفع عن كاهلهم «وزر» ما اقترفت أيديهم في حق من وثق بهم وحملهم الأمانة، لذلك فهم لم يجدوا أفضل من المقيمين ليكونوا كبش الفداء، وليحولوا نقمة الشارع على أدائهم الى «غريب» ليس له من يدافع عنه -حسب وجهة نظرهم- متناسين أن هؤلاء شاركوهم الحلم والألم والحزن والمصير.
هذا «الغريب» الذي كان محل إشادتهم عندما أعاد الطائرات التي جاءت لتحمله إلى مكان آمن أثناء أزمة 2011، وخيب أمل عدسات محطات الكرة الأرضية التي أتت لاهثة تحاول التقاط صورته وهو يهرول هارباً مع آلاف من كل جنس ولون، لتقول للدنيا أن البحرين تغرق، لكنه رفض ووضع مصيره ومصير عائلته مع مصير ابن البلد، ووقف بكل شجاعة يدافع عن الوطن وعن شرعيته، ويدفع عجلة الإنتاج في أصعب المواقف، غير عابىء بما يحيط به من مخاطر، مفضلاً الموت على الهروب والتنكر لبلد أعطاه ووفر له، طيلة عقود، مناخاً إنسانياً لم يشعر فيه أنه غريب عن هذه الأرض، أو بعيد عن هذا الشعب، الذي التصق به فكانوا له أخواناً وأصدقاء وأهلاً وعشيرة، فكونا معاً رافداً تغذي حبات عرقهما هذه الأرض فتثمر مشاريع ضخمة ونمواً اقتصادياً ذا مؤشرات جالبة للاستثمارات الخارجية.
لذا فإن أقل ما يمكن أن يوصف به قانون المرور الجديد بأنه قانون «عنصري» بامتياز، ويناقض كل المواثيق والتشريعات الإنسانية والقانونية والدينية، هدفه الأساس منع «فئة» من الناس من حق طبيعي، مخالفاً بذلك أبسط القواعد في التعامل الإنساني، عدا عن مخالفته الصريحة لدستور مملكة البحرين في أكثر من مادة، والتزاماتها الإنسانية والحقوقية، ومخالفته الواضحة لمبادىء اتفاقية التجارة الحرة وتأثيراته السلبية على المناخ الاقتصادي والاستثماري، والذي لا يبدو أنه يشغل كثيراً بال السادة النواب، هذا إذا افترضنا جدلاً أن منهم من اطلع عليها ودرسها قبل أن يلبس بشته ويسابق الريح للتصويت على تشريع «عنصري» بهذا الشكل المعيب.
هذا القانون يسعى إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، عبر تسويد صورة البحرين أمام العالم، وتقديمها كدولة عنصرية تفصل في الحقوق للبشر على أسس غير إنسانية.
كل ما سيق من تبريرات لتمرير مادة منع الأجنبي من القيادة هي حجج واهية، يمكن الرد عليها بكل يسر، وتفنيدها بكل سهولة، فهي لا تعدو محاولات من البعض لكسر الصورة الرائعة التي رسمتها البحرين لنفسها منذ أمد طويل بقبولها الآخر والتعايش معه.
ما يثير القلق القانوني والحقوقي كثيراً في هذا التشريع، هو أن يكون فاتحة لقوانين أكثر عنصرية في المستقبل تمنع «الغريب» من دخول المستشفيات والمدارس والمجمعات، وربما يتفتق ذهن البعض على حظر سيرهم في الشوارع إلا في ساعات محددة، أو تحديد مساجد ودور عبادة لهم، أو منعهم من التسوق في المجمعات أو تناول الطعام في بعض المطاعم، فربما ينزعج سعادة النائب من منظر «أجنبي» يشتري ساعة «رولكس»، أو آخر يركب سيارة «لكزس»، وربما «يغص» بطعامه عندما يجلس على طاولة مجاورة له في مطعم 5 نجوم أحد هؤلاء الأجانب.. فالعنصرية وتوابعها من «ضيقة العين» بحرٌ لاساحل له.
ورق أبيض..
لا يخلو مجتمع من المجتمعات من وجود ثلة من الجماعات العنصرية المتطرفة، مثل «حليقي الرؤوس» في ألمانيا و»كوكلس كلان» في الولايات المتحدة؛ لكن الجدير بالملاحظة في مشروع القانون هو مناقشته والتصويت عليه في البرلمان، وأنه يخرج التعصب والعنصرية من إطارها الفردي ويدخلها مرحلة التشريع.
والأكثر غرابة أنه لم يثر غضب أو احتجاج أحد منهم على غرار ما نراه في برلمانات الدول «المعتبرة».
من هذا المنطلق فلن يكون هنا ثمة فرق جوهري بين شاب عنصري يعتدي على عامل توصيل الخدمات في إحدى القرى، لأنه حسب وجهة نظره «مرتزق»، وبين نائب يشرع العنصرية ويجعلها مواد قانونية.