المطالبة بإلغاء سباق الفورمولا1 تؤكد مدى قصر نظرة المطالبين بهذا الأمر ونقص معرفتهم بالاقتصاد وقلة حيلتهم. هنا سؤال، لو استجابت الدولة لهذه المطالبة وتم بالفعل إلغاء السباق فما الذي يمكن أن يربحه المطالبون بإلغائه؟ هذا السؤال لو وجهته إلى طفل في الابتدائية لضحك وقال إنه «جنون»، لأنه باختصار لا يوجد عاقل يقبل بإغلاق باب يمكن أن يدر أموالاً كثيرة على البلاد من أجل إرضاء هذا أو ذاك، فهذا السباق الذي تحتضنه البحرين للعام العاشر يسهم في إنعاش الاقتصاد الذي يستفيد منه الجميع، وبالتالي فإن إلغاءه نقص عقل والمطالبة بإلغائه نقص ذكاء! (المتوقع أن تصل نسبة الإشغال في الفنادق أيام السباق إلى 100%).
مطالبة البعض بإلغاء السباق بمثابة اعتراف بعدم المفهومية وتأكيد على أن الذين يفهمون في الاقتصاد إنما يتبعون الشارع الذي يقودهم بدل أن يكونوا هم من يفعل ذلك، فأي عقل هذا الذي يدعو إلى إغلاق مصدر دخل طيب للبلاد؟ وأي عقل هذا الذي يسمح بمثل هذه المطالبة؟
هذا الواقع يدفع إلى سؤال مهم، ما هو دور الجمعيات السياسية التي تعتبر نفسها قيادية وتستند إلى تاريخ وخبرة في هذا المشهد؟ هل هي ضد المطالبة غير الواعية هذه أم «مع الخيل يا شقرا»؟! وإذا كانت مع المطالبة فهل تقوم بهذا عن قناعة أم خوفاً من فقدانها الشارع الذي في كل الأحوال لم يعد لها فيه قيمة؟
مؤلم أن تطالب جمعيات سياسية يوجد بين أعضائها من يمتلكون دراية في الاقتصاد بإلغاء سباق الفورمولا1، بل إن هذه المطالبة فضيحة لأنه يمكن استيعابها ممن لا معرفة لهم بالاقتصاد وأهمية مثل هذا السباق، لكن لا يمكن استيعابها أبداً من قياديين في جمعيات سياسية تعرف تمام المعرفة المردود الإيجابي الكبير لمثل هذا السباق.
العام قبل الماضي زار عضو الوفاق الاقتصادي جاسم حسين حلبة السباق وأدلى بتصريحات إيجابية، لكنه هوجم من الوفاقيين قبل غيرهم وقالوا عنه ما قالوا من كلام بذيء ورموه بصفات لا تليق وأسكتوه وقالوا إنه «لا يعبر عن الوفاق وإنه يمثل نفسه»، فلم يعد الكرة العام الماضي ولن يعيدها.
هذا يؤكد أن الوفاق ومن صار في جيبها من جمعيات سياسية تدرك أهمية سباق الفورمولا1 وتعرف جيداً دوره في تنشيط الاقتصاد ولا يفوتها فوائده الاجتماعية والثقافية والسياحية لكنها مع كل هذا تقف إلى جانب محدودي الأفق وتطالب معهم بمنعه وتدعو إلى استغلال المناسبة إعلامياً والخروج في مسيرة!
لهذا فإن قول هذه الجمعيات بأنها لا تستهدف ضرب الاقتصاد -حتى بأعمالها تلك التي سعت إليها في فترة سابقة بتنفيذها فعاليات تتسبب في إخافة المستثمر ولتشل بها المنطقة التجارية- قول مردود عليه حيث المثال في حالة سباق الفورمولا يدينها.
كل هذا يدفع نحو السؤال عن مفهوم المعارضة لدى «المعارضة»، حيث متابعة الفعاليات التي تنفذها منذ أكثر من ثلاث سنوات تبين أن هذه الجمعيات التي تعتبر نفسها «معارضة وقوى وطنية» تعتبر كل ما تقوم به الحكومة خطأ وناقصاً وتسعى من ثم إلى هدم كل ما تبنيه وضرب كل مصلحة.
لا يوجد في العالم كله معارضة تمارس مثل هذا الفعل وتقوم بمثل هذا الدور، فالمعارضة شريك مهم وأساسي في البناء وليس دورها الهدم، كما إنه ليس مقبولاً هروبها من ممارسة دورها الطبيعي كمعارضة والاستجابة لطلبات البعض غير المدرك لدورها وللأضرار التي يمكن أن تتسبب فيها تلك المطالبات.
ليس فقط مساندة الجمعيات السياسية للمطالبة بإلغاء سباق الفورمولا1 خطأ وجريمة في حق الوطن، ولكن سكوتها أيضاً خطأ وجريمة.