نشهد هذه الأيام حملة يقوم بها «الفريق» المكلف بكتابة «الإشاعات» حتى تظن أن الفريق أصابه إسهال كتابي شفاه الله، الذي ضاعف الجهد هذه الأيام، وتعد كثرة «الإنتاج» الكتابي مؤشراً على أن بقية الأسلحة قد نفدت، وأن السلاح الوحيد المتبقي لدى الجماعة بعد أن توالت الهزائم هو «الحرب النفسية» وأداة هذه الحرب هي إشاعة الأخبار والقصص والتكهنات والتنبؤات حتى قراءة الكف والبلورة السحرية مسموح بها الآن، القصد هو رفع معنويات جماعتهم والتسبب بالإحباط لمن يخاصمهم.
ففي اليوم الواحد تصلك أكثر من إشاعة وقصة بعضها مضحك وبعضها يجعلك ترفع حاجبيك وبعضها يجعلك تصفق كفاً بكف، إذ إن خيال هذا الفريق أصبح واسعاً جداً إلى الدرجة التي تفوق فيها على أفلام بوليوود الهندية.
فبعد قائمة الوزراء المضحكة وزعوا «مسج» الصفقة بين الحكومة والوفاق، وبعد مسج الصفقة وزعوا «مسج» توصل -ما شاء الله- إلى خبايا الصفقة الإيرانية الأمريكية وأول مؤشراتها إطلاق سراح الفطحل!!!
آخر مسج كتب أحد أعضائهم هذه التغريدة أمس «الوضع في البحرين تغير بسبب الضغوط الدولية والإقليمية (طبعاً الدولية المقصود بها أمريكا والإقليمية المقصود بها إيران)، حيث جاء أمر (أهم شيء أنه جاء أمر) بإيقاف جميع المحاكمات لأن الوضع الإقليمي والدولي بدأ يضغط على السلطات في المنامة وهناك حديث بالإفراج عن جميع المعتقلين بلا استثناء.. أيام قادمة ستثبت مدى صدقية كلامي ..».
سؤال بسيط .. إذا مرت الأيام القادمة ولم تثبت صحة كلامك واستمرت الدولة بتطبيق القانون على كل من يخالفه وإحالة المخالفين للقضاء ولم يطلق سراح من أدين منهم، ما البضاعة القادمة التي تبقت لكم لتبيعوها؟
سوقتم إشاعة وصول الزوارق الإيرانية واشتروها منكم، اليوم تبيعونهم الصفقة الأمريكية الإيرانية.. ألا شاهت الوجوه.. وبئس البائع والمشتري. تذكرت قصيدة القباني الرائعة «كلمات» التي تغنت بها ماجدة الرومي كيف كان حبيبها يبيعها الكلمات وتشتريها هي ثم صدمت بكذبه في النهاية، فقد أخذتم جمهوركم من تحت ذراعهم وراقصتموهم وزرعتموهم في الغيمات وهم كالطفلة في يدكم كالريشة تحملها النسمات أهديتموهم شمساً أهديتموهم صيفاً وقطيعاً من السنونوات بنيتم لهم قصراً من وهم لم يسكنوه سوى لحظات، وها هم سيعودون لطاولة الحوار ولا شيء معهم سوى إشاعات!!
أبحث أحياناً عن الأسباب التي تجعل الإنسان يقبل أن يطيل معاناته ويزيد جهده ويبحث عن طوق للنجاة على طريقة «وين إذنك يا حبشي» وفي الواقع أنه يتعرض لمزيد من الغرق والغوص في الرمال المتحركة رويداً رويداً، في حين أنه كانت أمامه طرق أسرع وأكثر ضماناً لكنه تجاهلها عمداً، هل هي المكابرة والغرور قاتلهما الله؟ أم هو مستوى ذكاء متدنٍّ؟ أم كلاهما معاً؟
مجموعة الوفاق جربت كل الطرق «لفرض» رؤيتها السياسية على المجتمع البحريني، ولم تجرب أن تمد حبالها و«تقنع» هذا المجتمع بتلك الرؤية، فهي تنطلق أساساً في حراكها من قناعة أنه لا وجود لمجتمع بحريني غير مجموعتها، فالموجود في البحرين أسرة حاكمة لها «شوية» أتباع، وهم، وهذه هي البحرين.
لذا فإن وسائل «فرض» رؤيتها السياسية كانت موجهة للسلطة، إما بالانقلاب على الدستور، إما إرهاب وعنف ضد رجال الأمن، وإما بالاستعانة بضغط خارجي يوجه للسلطات، حتى وإن وصل الأمر إلى توسل باستعمار جديد، فهي في نظرها «تحارب» سلطة، أما «الشعب» فكله معها.
اختارت كل الأساليب التي تعتقد أنها ستجبر جلالة الملك -أي «السلطة» أو اختر ما تشاء من تسميات أطلقتها الوفاق على من تعتقد أنه خصمها- اختارت كل الأساليب التي تظن أنها ستجبر هذه السلطة على الخضوع لها، وهي تظن أن خصمها السياسي يكون ممثلاً في شخصه وحده، وهي غير مقتنعة ولا تريد أن ترى ما رآه العالم أجمع بأنها لا تمثل شعب البحرين، وشعب البحرين يرفض تمثيلها.
هي ترفض الطريق المباشر والمختصر والسريع وذلك بالحصول على توافق شعبي يقبل برؤيتها عن طريق مخاطبة شعب البحرين مباشرة، هي ترفض هذا الخيار لأن في ذلك هدماً لمعبدها المبني بالكامل على أساس أنها هي الشعب، فتخيل لو أقرت بضرورة مخاطبة كائن غير موجود بالنسبة لها! وتخيل لو أن هذا الكائن رفض مخاطبتها!
باعت لجمهورها هذا الوهم وباعتهم قصة الدعم الدولي الدائم والنصر الإلهي والسند الإقليمي، ولأن ما بني على باطل فهو باطل، توالت هزائمها الواحدة تلو الأخرى فلا الإرهاب نفع، ولا الضغط الخارجي نفع، ولا الانقلاب نفع، لأن الشعب هو من تصدى لها، ولم يتبقَ لها إلا بضاعة كاسدة تجهد أن تبيعها لمن صدقها وتبعها حتى غاصت رجله معها ووصلت الرمال إلى العنق.. ولم يتبقَ لها سوى بيع الإشاعات.