البيان الختامي لقمة مجلس التعاون الخليجي حمل شيئاً من التواري في الإفصاح عن حقيقة الصراع الدائر في أروقة المفاوضات بشأن مشروع الاتحاد الخليجي والتحديات التي تواجه مصيره، فسلسلة النقاشات الدائرة بشأن دراسة مشروع الاتحاد الخليجي تحتاج إلى إبرة «طلق صناعي» بعد تعسر الحال وبعد أن فشلت المحاولات في جعل ولادة هذا الاتحاد طبيعياً!
وإبرة الطلق الصناعي هذه عنوانها «استكمال دراسته في أقرب وقت ممكن ومن ثم إشهاره» عن طريق العزم بجدية أكثر في عقد اجتماعات تشاورية استثنائية تتداوله هو فقط من باب أنه بات قضية مصيرية حتمية، وأن كل الطرق الحالية الموجودة المتاحة أمام دول الخليج تؤدي إلى «الاتحاد»، وتجنب سؤال كم فرص نجاح الاتحاد التي ستكون في حالة إشهاره وكم فرص نجاح تفعيل دور مجلس التعاون الخليجي وإبقائه مجلساً تعاونياً لا اتحادياً؟
ففيما يخص ما كشفته سلطنة عمان عن عدم ترحيبها بالاتحاد كمشروع يجمع ست دول تشترك في قضاياها المصيرية، خاصة الأمنية، وانسحابها من مجلس دول التعاون في حال إقراره لا يخرجها ولن يخرجها أبداً من واجهة وحقيقة أن مصير استقرار دول الخليج العربية مشترك وواحد مهما كان، هي وإن اختارت أن تكون في معزل عن الاتحاد إلا أنها بالنهاية ستتقاسم جزءاً من أي كعكة أو طبخة سياسية تدار في منطقة الخليج العربي وستتلقى كغيرها من أي دولة خليجية الانعكاسات والتأثيرات الحاصلة من الصفقات والطبخات السياسية والأمنية لموقعها الجغرافي، وإن لم يعد بشكل رسمي تعنى فيه كعضوة في مجلس التعاون الخليجي.
تبقى عمان خليجية أمنياً وجغرافياً وثقافياً وتاريخياً، ولكونها كذلك فإن ظلت بالمجلس من عدمه وإن اتخذت دور المحايد والعضو الهادئ المتشح بالسكوت وعدم التفاعل والمشاركة، وقدمت مصالحها الخاصة وتحالفاتها على المصير العام المشترك، فإن لنا في التجربة العراقية أسوة، خاصة في تحولها بعد النظام العراقي السابق إلى بؤرة مصدرة لميليشيات الإرهاب والتوتر الطائفي إلى دول الخليج، وكذلك تجربة الربيع العربي وانعكاساته التي طالت المنطقة العربية خاصة في الشقيقة مصر، وما حدث فيها يبقى خير دليل على أن العهد الجديد القادم عنوانه «ضرورة التحالف لا التخالف»، فموجة التغيير الممتدة في المنطقة العربية وإن طالت بعض الدول لكن هذا لا ينفي حقيقة أنها هزت دولاً أخرى تجاورها وأثرت على عمليات التنمية والاقتصاد فيها، كذلك في مجال العلاقات الدولية كل المؤشرات والمعطيات تؤكد أنه بات البقاء اليوم للأقوى تحالفاً!
لذا نقول مهما كان الموقف العماني لم يعد الاتحاد الخليجي اليوم خياراً مطروحاً، بل ضرورة حتمية لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية ومطلب أساسي في ظل إيقاع التحولات السريعة الحاصلة من تغير معادلات القوى الإقليمية والملف الغربي الإيراني بخصوص الاتفاق النووي.
فعندما انتقدت بعض دول الخليج إبعادها عن المفاوضات التي تمت مع إيران بشأن الملف النووي، حيث دعا الأمير تركي الفيصل إلى إشراك دول مجلس التعاون الخليجي مع مجموعة الدول الست في المفاوضات مستقبلاً كونها هي الأخرى من الدول المعنية في هذا الشأن، فإن ذلك يفضي ببساطة إلى أهمية إشهار الاتحاد في أسرع وقت ممكن وذلك حتى تدخل الكتلة الخليجية كقوة في موازين المفاوضات التي تتم مستقبلاً، حيث المنطق يقول إنه لا يمكن إدراج أي دولة خليجية دون الأخرى في هذه المفاوضات كون القضية تتعلق بإقليم الخليج كله لا جزئية منه، وكون مفاتيح الضغط الخليجية وأسلحتها الدبلوماسية والنفطية والاقتصادية والسياسية تكون أقوى وأكثر فعالية عندما تكون مجتمعة بدلاً من أن تستخدمها كل دولة خليجية منفردة في مجابهتها للمخاطر الإيرانية بالمنطقة.
المنطق يقول أيضاً إن مقومات أي دولة في تحولها إلى قوة إقليمية ودولية واقتصادية يوضع لها اعتبار وحساب يتوافر باجتماع مقوماتها الاقتصادية والجغرافية والعسكرية، وهذه الثلاثة العناصر الرئيسة التي تشكل العمود الفقري لتشكيل أي قوة لن تتم إلا باتحاد دول الخليج، وهو مؤشر آخر يعكس أهمية المضي قدماً وعزماً في الإسراع بتحديد العد التنازلي لإشهار الاتحاد الخليجي وتحقيقه على أرض الواقع اليوم قبل الغد، حتى يدخل ضمن معادلات التحالفات الإقليمية والدولية، كما إن مسالة الاتكال على الولايات المتحدة الأمريكي كقوة عسكرية تدعم أمن الخليج وجب أن يجابهه في ذلك أن تكون دول الخليج هي في حد ذاتها وداخلياً في قوة وتعاون واتحاد فيما بينها وقبل ذلك اقتصادي حتى تتكامل أمنياً بشكل أقوى.
درس العلاقات الدولية الجديد يقول إنه لم يعد بالإمكان اليوم قول القوة السعودية أو البحرينية بل القوة الخليجية، فهذا هو الوجه الجديد والتحديث الأخير لمفهوم موازين القوى الإقليمية، أن تظهر دولة لوحدها وتحاول جادة أن تكون قوة إقليمية في ظل الإيقاع المتسارع لعهد التحالفات والصفقات لم يعد بالممكن فعامل التوقيت في ظل التغيرات الجارية لن يكون بالتأكيد في صالحها، وإن كانت سلطنة عمان بعيداً عن مسألة مصالحها وتحالفاتها ترى بأنها لوحدها تستطيع أن تنهض باقتصادها وتنميتها ومقوماتها كدولة وتتحول لقوة منفردة لكانت الدول الأوروبية بكل ما تملكه من مساحات ومقومات طبيعية وجغرافية واقتصادية استطاعت أن تفعل ذلك بوحدها بمعزل عن مشروع الاتحاد الأوروبي، والذي بات اليوم له حضوره وثقله لا يستهان بهما وإن طغى ثقله الاقتصادي أكثر عن الدبلوماسي والسياسي.
إن التطورات التاريخية للقوى الإقليمية في العالم وتتبعها تكشف أن الاستثمار السياسي والدبلوماسي يأتي عبر مدخلين يشكلان ركيزة أساسية لأي قوى وهما الاقتصاد والأمن والتشابه في البنيان الاقتصادي والتنموي والثقافي بين دول الخليج يجعلها تصل لحقيقة أن الاتحاد الخليجي مشروع شبه قائم في بعض الجوانب والمجالات، ولكن بشكل غير رسمي وأن تحقيق التكامل الخليجي من الممكن أن يساهم في ردم أي فجوات لأي قصور اقتصادي وتنموي في أي دولة من الدول الأعضاء وتحقيق التكامل الشامل، ومن ثم تحول الدول الأعضاء مجتمعين إلى قوة فاعلة لها دورها البارز والكبير في مجريات الأحداث السياسية والاقتصادية في العالم وموازين القوى الإقليمية والدولية.
- إحساس عابر «1»..
رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون قال في تصريح سابق إن خطط التنمية الطموحة التي تعمل دول الخليج العربي على تطبيقها تشكل ثروة من الفرص الاستثمارية الجديدة للشركات البريطانية في القطاعات الاقتصادية الناشئة في جميع أنحاء المنطقة وإن دول الخليج العربي أحد أهم الشركاء الاقتصاديين للمملكة المتحدة وإن حجم التجارة الثنائية بين الجانبين قد ارتفع بنسبة 39 في المائة على مدى العامين الماضيين ليصل إلى 29.8 مليار جنيه إسترليني!!
- إحساس عابر «2»..
دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة بدأت فكرة اتحادها بفكرة من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه في إيجاد اتحاد بين الإمارات السبع وكانت البداية بموافقة إمارة دبي وأبوظبي فقط وشبه ممانعة ورفض من إمارة رأس الخيمة ثم حصل الاتحاد بين الإمارات الستة عام 1971 وبعدها بعام، أي عام 1972 دخلت إمارة رأس الخيمة في الاتحاد معهم.