مازلت إلى اليوم أذكر كلمة السر التي كانت تحول ابن شقيقتي عبدالعزيز، والذي كان لا يتجاوز سنواته العشرة، وهي مرحلة الطفولة المتعطشة إلى أبواب الرجولة، وكانت تحوله إلى رجل كامل الرجولة، وهي «امسك شاربك». هذه الكلمة السحرية التي تحول طفل لم يتجاوز العاشرة إلى رجل بالغ، وتقلب حالة الهرج والمرج واللغو إلى سكون تام، فيعتدل الصغير في جلسته، ويحسن من تصرفاته وحديثه في لحظات قليلة.
خلال رحلتي الطويلة مع فن الخطابة والإلقاء والتحدث والمشافهة الارتجالية، بما فيها لغة الجسد، كانت لي عدة محطات مع طلبة في المرحلة الابتدائية. كنت في وسط فوضى عارمة وشخصيات وأفكار ومفردات مختلفة، بل ومتصارعة في أحيان كثيرة.
كنت قد طرحت سؤالين على الصغار، الأول أي الفريقين تفضل ريال مدريد أم برشلونة؟ أما الثاني فكان هل أنت مع أو ضد تطبيق قانون يحظر التجول في البحرين بعد الساعة الثامنة مساءً مع إطفاء جميع الأنوار؟
تضاربت آراء الصغار، وعمت فوضى عارمة في قاعة المحاضرة، لدرجة وصلت إلى البكاء والتشابك فيما بينهم، حيث شخصياتهم العاطفية والانفعالية غير المتزنة، وكنت على مشارف مشاهدة حرب ضروس بين الأطفال.
عندها تذكرت الكلمة السحرية، والتي بها أستطيع أن أسيطر على الوضع بالتحفيز وتعزيز الثقة بالنفس.. «امسك شاربك»، وفي لحظات عم الهدوء والسكينة على الجميع، وكأن على رؤوسهم الطير.
ما أود الوصول إليه من خلال هذه الحادثة الصغيرة، أن هناك وسائل بسيطة يمكن من خلالها تحفيز الأطفال والكبار على حد سواء ليكونوا معول بناء في هذا الوطن، وأن يتحولوا من حالة الفوضى والاختلاف التي يعيشونها إلى حالة من التعاون فيما بينهم من أجل بناء البحرين، على أسس ثابتة ومتينة من الأخلاق الفاضلة، وتنمية شعور الانتماء والتضحية من أجل نهضة ورقي هذا الوطن، لتكون في الصدارة دائماً، كما كانت على الدوام، ومحط فخر واعتزاز لأبنائها ولامتها العربية.
في ذات المحاضرة طرحت بعض الإرشادات في طريقة الخطابة والإلقاء والارتجال الشفهي مع لغة الجسد، فما كان من الصغار إلا أن تبدلت أحوالهم 180 درجة خلال دقائق، فشعرت أنني أمام شخصيات ممتلئة بالثقة وحسن الرأي والثبات والوضوح في الحديث.
لذلك فإنني أقترح على وزارة التربية والتعليم، وكنوع من زرع الثقة والانتماء أن تضمن مناهجها برامج في فن الخطابة والإلقاء، لصقل شخصية الطفل جسدياً وفكرياً ونفسياً، خصوصاً في المرحلة الابتدائية، ليكونوا غرساً جميلاً نرى ثماره في شباب البحرين المتميز في جميع المستويات العالمية في السنوات المقبلة.