بغض النظر عن التعريف الدقيق لمفهومي «الخلاف والاختلاف»، إلا أنهما يعتبران في وجودنا الإنساني من الأمور الحتمية، فخلافاتنا يجب ألا تفسد للود قضية، أما خلافنا فهو من أبرز وأجمل سنن الوجود، ومن يحاول تجاوز هذه الطبائع البشرية فإنه سيظل يعيش في عالم الأوهام والمثاليات.
كلنا يعرف وعلى الرغم من العمق التاريخي والجغرافي لدول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها، إلا أن الخلافات والاختلافات في ما بينهم تعتبر أموراً واردة للغاية، وذلك لطبيعة وتاريخ كل دولة من هذه الدول، إضافة لتعارض المصالح في ما بينها، مضاف إلى كل ذلك، ما قام به الاستعمار الغربي قبل رحيله المفترض من المنطقة، والذي جعل من «الإخوة أعداء»، بطريقة لا تخلو من شبهة أخلاقية، خاصة بعد التقسيم الذي فرضته معاهدات خسيسة، لعل من أبرزها «سايكس بيكو».
حين يدرك أهل الخليج هذه الحقيقة، فإنهم يجب أن يتعاملوا معها من منطلق أن هناك إرثاً مظلماً من التاريخ، خلفهُ لنا الغرب قبل هجرته المزعومة من الخليج العربي، كما يجب عليهم تجاوزات خلافات الماضي، لا استحضارها في مرحلة حساسة من تاريخ هذه المنطقة، وعليهم أن يتعلموا أن شرط الوحدة الخليجية والعربية يتطلب أن نكون بحجم المسؤولية، وأن نستوعب الدروس القريبة من واقعنا ومن تاريخنا الحديث، أما إذا كنا نريد الجمع بين الوحدة وبين الخلافات في خليجنا العربي، فإننا سنكون كمن يسعى للجمع بين الماء والنار!
كلنا يقر بوجود بعض الخلافات الواضحة بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا ربما يكون لطبيعة المرحلة وتقاطع المصالح وربما تضاربها على أرض الواقع، وهذا ناتج بإيمان كل طرف أن الخلاف والاختلاف -كما ذكرنا- من الأمور الطبيعية التي يمكن أن تحدث في عالم البشر فكيف في عالم السياسة، لكن، ما لا يمكن استيعابه هو قيام بعض المسؤولين أو ممن يعتبرون شخصيات إعلامية وسياسية وأمنية بارزة في دول الخليج العربي بخلق واختلاق إثارات وأزمات لا داعي لها على الإطلاق، حتى تحوَّلت بعض المناوشات بين أهل الخليج العربي إلى ما يشبه ساحات جاهلية، ساحات متخصصة في طلب الثارات ونشر الفضائح وكشف العيوب وغيرها من السلوكيات الرخيصة، وعلى ضوء ذلك، وما تفرضه قيم الحمية العربية، انجرت شعوب المنطقة لهذا السجال التافه الذي يقوده بعض ممن يدعون «المفهومية»، وهم في الحقيقة لا يفهمون أي شيء.
لا يمكن القبول بإطلاق الدعوات للخلافات العربية عبر منابر إعلامية مفتوحة وربما رسمية أيضاً، من المفترض أن تكون منارات للاستنارة وترشيدٍ للخطابات السياسية الملتهبة والمنفلتة، كما من واجب الحكومات الخليجية أن تغلق كل الأفواه الداعية للفتنة، وكسر الأقلام التي تزيد النار حطباً، فشعوب الخليج أكثر وعياً من مفتنٍ أو مغرضٍ كل ما يسعون إليه، أن يروا النار مشتعلة في البيت الخليجي، فجولة سريعة في «تويتر» ستعرفون من خلالها من نعني هنا، وشكراً.