انهارت الذرائع التي ساقها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ملفات إيران وسوريا ومصر. فكان لابد من أن يعيد انحناءات قام بها أول مرة أمام خادم الحرمين الشريفين عام 2009. ولم يكن الملك في مزاج يسمح له بتجاوز أخطاء مارسها الديمقراطيون بقيادة أوباما بحق حليفهم الاستراتيجي. لقد سادت الملفات العسكرية في زيارة أوباما الأخيرة، أو مناورته الأخيرة. فافتتح مفرداته بتخفيف حدة الخلاف مع الرياض قائلاً: إن مصالحنا «الاستراتيجية» لاتزال مشتركة، وبحثنا بعض الخلافات «التكتيكية».
ظهر أوباما كرجل مصاب بتناقضاته، غير جازم بما يريد، أيرفع سيفه أم يرفع صوته، مما أعطى السعوديين فرصة لتحقيق اختراق في ملفات عسكرية ثلاثة هي، تسليح المعارضة السورية بأسلحة دفاع جوي، وتزويد مصر بحاجتها من السلاح، ثم تزويد الرياض بطائرات بدون طيار. وحتى الآن لا نعلم إن كان القرار إيجاباً بشكل قاطع حول تزويد مقاتلي المعارضة السورية بصواريخ «مانبادس - MANPADS». و»مانبادس» ليس طراز صواريخ أرض - جو كما اعتقدت وسائل إعلام عدة، بل هي اختصار لوصف هذا النوع من الأسلحة «Man-Portable Air-Defense Systems» والطراز الأمريكي المطلوب هو «ستنغر». فبينما تريد السعودية دعم المعارضة بهذه القواذف وسلب الأسد السيادة الجوية، تخشى واشنطن أن تستخدمها جماعات إرهابية ضد الغرب أو الطائرات التجارية، أو ضد الغطرسة الإسرائيلية فوق الجولان، وحتى غزة. المناورة السعودية كانت حين استغلت الرياض قلق واشنطن المعلن من تدفق السلاح لسوريا. فأعلنت نيتها شراء أسلحة للمعارضة من الصين وباكستان، ورافق ذلك تسرب أنباء نهب مخازن سلاح ليبية واختفاء 15 ألف صاروخ مضاد للطائرات. فبدأ أوباما جولته بتصريح لمسؤول أمريكي قال فيه «إن واشنطن لا توافق على أن تسلم السعودية مقاتلي المعارضة صواريخ «مانباد»». لتنتهي الزيارة بتصريح من مسؤول أمريكي آخر «إن أوباما يدرس مساعدة مقاتلي المعارضة بإرسال نظام الدفاع الجوي المحمول، المعروف بـ«مانبادس»». فهل يكون الاختراق السعودي بداية قلب التوازنات على أرض المعركة؟
لقد ظهر رجال البيت الأبيض بعد سقوط حسني مبارك غير قادرين على وصل الأسباب بالنتائج، فبعد إزاحة حكم الإخوان أوقفت واشنطن المساعدات العسكرية لمصر، وكان من ضمنها طائــــرات «F 16» ودبابـــات «ابرامـــز M1A1» وصواريـــــخ هاربـــون «Harpoon» وطائرات هيليكوبتر «Apache». ولم يرق للسعوديين ولغيرهم من أصدقاء النظام الجديد حجب الأباتشي الهجومية عالية التسليح والفعالة في مكافحة الإرهاب. ورغم أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يقر أن طائرات مصر الــ30 بحالة سيئة وبحاجة للصيانة الأمريكية إلا أنهم لم يستطيعوا تصور تبعات غيابها عن مسرح سيناء لمطاردة الإرهاب. وقد زاد من الأزمة اتهام وزير الخارجية المصري نبيل فهمي واشنطن بالاحتفاظ بالأباتشي التي كانت بأمريكا للصيانة، فتوقف الإرسال وتوقفت الصيانة وتوقفت الأباتشي. المسوغ الرسمي الأمريكي هو إزاحة الإخوان بغير صندوق الاقتراع، لكن المخاوف الأمريكية الحقيقية في تقديرنا تعود للخوف على إسرائيل واتفاقيـة «كامب ديفيد» التي تحدد نوع الســلاح في سيناء. لكن التناقض الأكبر تبجح تل أبيب أنها لا تمانع، بل ومحاولتها التوسط لعودة الأباتشي لحفظ أمن سيناء. لقد غضبت الرياض ودول الخليج فعرضت شراء أسلحة بـ3 مليارات دولار من روسيا، تشمل طائرات مقاتلة MIG-29، ومنظومات دفاع جوي وصواريخ مضادة للدبابات ومروحيات عسكرية. فصعقت واشنطن من قدرة الرياض على المناورة ومن الصفقة التي ستؤدي إلى تراجع التفوق النوعي لإسرائيل في المنطقة، فوصف معهد «كارنيجي للسلام» الدولي الصفقة «بوضع إصبع السعودية في عين أمريكا».
من جهة أخرى، رافق تغير القواعد الإقليمية في المنطقة تغير العقيدة العسكرية لمواجهة التحديات، ومن ذلك استخدام الطائرات بدون طيار. ففي الوقت الذي كانت «الاستخبارات الأمريكية - CIA» تدير عمليات طائرات بدون طيار من قاعدة بالسعودية قتل منها أنور العولقي باليمن، إلا أن واشنطن رفضت بيع الرياض هذه الطائرات، رغم أن المملكة في حربها ضد الإرهاب في حاجة ماسة للطائرة. وما كان من الرياض إلا أن اشترت طائرات إيطالية وروسية، كما طورت الطائرة بمركز الأمير سلطان للأبحاث مع جنوب أفريقيا. لقد دفعت الرياض لهذه الطائرات التفوق النوعي لطهران في هذا المجال ووصلت حد جعـلِ طائرة «سكان إيغل» الأمريكية أن تهبط هبوطاً طبيعياً على أراضيها بمساعدة الصينيين، وقد أثار ذلك الرعب في إسرائيل التي تصنع وتبيع وتستخدم الطائرات بدون طيار، ولعل هذا هو سبب تردد واشنطن الحقيقي في بيعها للرياض. لكن أخباراً ترددت أن وزير الداخلية السعودي نجح في تأمين صفقة بيع أكدها أوباما أثناء زيارته.
إن التشابه في مقدمات الملفات العسكرية الثلاثة السابقة، وهو التعنت الأمريكي، قد لا يفضي بالضرورة إلى تشابهها في النتائج، فتحولات أوباما الحادة تجعل من الصعوبة استشراف الموقف الأمريكي في ملف تسليح المعارضة السورية بأسلحة دفاع جوي، أما تزويد مصر بحاجتها من السلاح وتزويد الرياض بطائرات بدون طيار فيبدو أكثر احتمالاً للحدوث.

* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج