مملكة البحرين تاريخياً كانت دولة خليجية رائدة في مختلف القطاعات والمجالات، وهو أمر لا يمكن أن ينكره أحد، حيث كانت مقصد الخليجيين بالذات قبل العرب الذين يتوافدون عليها طلباً للعلم والتجارة والعمل، وإذ إننا أوردنا في المقال السابق عدداً من المرئيات والمقترحات التي تخدم في إكمال الثغرات والنواقص التي ساهمت في تأخرها عن ركب تطور الدول من حولها؛ فإننا نورد المزيد منها استكمالاً لطموحنا في أن تعود إلى الصدارة لتكون المملكة الخليجية الرائدة في ساحة الإنجاز والتميز مجدداً.
ماذا ينقص البحرين؟!
ينقص البحرين إيجاد استراتيجية شاملة لمعالجة الملف الإسكاني بشكل يسابق الخطوات القائمة حالياً من خلال إنشاء جزر إسكانية تغطي الطلبات الإسكانية المتراكمة من سنين، أسوة بالجزر السياحية التي وجدت من خلال دفن البحار، فالمواطن البحريني «يستاهل» أن يكون «أول» من يسكن الجزر البحرية، فيما يخص مسألة الاهتمام بإنشاء الجزر وإيجادها و«يستاهل أكثر» كونه مواطناً في وطن جغرافيته جزيرة بحرية وأهله أهل بحر في أن يسكن قبل المقيم والوافدين في جزر يتمتع بخصائص طبيعتها البحرية.
ينقص البحرين تخليصها من الجماعات الإرهابية المتسللة إليها من الخارج، وسحب الجنسية التي منحت لهم وهم لا يستحقونها، وإيقاف مسلسل الإساءة للجواز البحريني واستغلاله خارجياً في الحراك ضد الدولة باسم الدولة.
ينقصنا الابتعاد عن السياسة الروتينية المعروفة «اللي فات مات» و«نغلق هذا الملف ولا نعاود الكلام فيه» فيما يخص معالجة بعض القضايا حينما يتم منع تداولها مجدداً بدعوى أننا نقبل على مرحلة جديدة تستوجب نسيان كل ما حصل وفتح صفحة جديدة للتصالح مع أطراف هي بالأصل غير متصالحة مع نفسها ومتناقضة المواقف ومختلة الموازين والشخصية، واستبدالها بالتركيز على السياسة الجديدة «لن نقول عفا الله عما سلف» وسياسة التوثيق وإبراز بعض السيناريوهات كنوع من العبرة للأجيال القادمة، فسياسة اللي فات مات وعفا الله عما سلف والتسامح هي من شجعت على الاستهتار والتمادي وتضخم الوقاحة من جانب أولئك الذين قلوبهم ليست على الوطن، نريد عهداً جديداً عنوانه «لا تهاون ولا بكلمة حتى فيما يخص الوطن، فالوطن خط أحمر ويأتي أولاً وقبل كل شيء».
ينقصنا في البحرين محاكمة من دعا إلى سحق رجال الأمن وفق محاكمات عادلة.
ينقصنا تطبيق تعاليم الإسلام دون تهاون وتطبيق حكم الإعدام على القتلة والإرهابيين، فمن قتل يقتل واستناداً إلى ما جاء في دستور البحرين «دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع»، فهذه الخطوة ستوقف مسلسل هدر دماء الأبرياء من رجال الأمن وتظهرنا أمام العالم أننا فعلاً دولة قانون وتشريعات.
يلزمنا إنهاء خدمات كل بطانة الإرهاب والنفاق، الذين كشفت حقيقتهم في أزمة البحرين، وليوظفوا في شركات التجار وأصحاب المؤسسات الخاصة سواء الشرعية أو غير الشرعية المتآمرة والتي تمولها الأطراف الخارجية.
ينقصنا في البحرين سحق المخططات الإرهابية وهدم أبنيتها المستمرة في التشييد والضرب بيد من حديد تجاه كل من يستغل الشباب والأطفال والناس البسطاء ويمدهم بالمولوتوفات والقنابل المحلية الصنع والأموال.
ينقصنا التقليل من سياسة «احنا نشوف شيء انتوا ما تشوفونه» لأن المواطن العادي البسيط بعد «يالس يشوف بلاوي انتوا ما تشوفونها!».
ينقصنا تغيير كثير من الوزراء والمستشارين المحسوبين على الشرفاء، فيما بالحقيقة هم لديهم مخططات بعيدة المدى ويجيشون من يتبعونهم من جمعياتهم ومؤسساتهم الحزبية لتنخر في الدولة، وللأسف يشوهون صورة البحرين في أعين المواطنين من خلال تمثيلهم لها في مواقع هامة وحساسة بالدولة وهم «مب قدها»، كما هناك حاجة لبعض المسؤولين أن يتركوا الاعتماد الكلي على طاقم المستشارين القدماء أو يستبدلونهم بكوادر شبابية تتماشى مع نمط ونوعية الحياة والزمن الحالي ليقدموا أفكاراً تأتي من الواقع البحريني الذي هو بالأساس شبابي النوع.
ينقصنا خروج موقف موحد ضد ضرورة إغلاق مصانع الخمور في البحرين الآخذة في الانتشار، وإيقاف تلك المطاعم التي تدفع بالفتيات إلى ممارسة نوع من الدعارة الشكلية بالجلوس مع شارب الخمر وتشجيعه على الشرب للحصول على نسبة من فاتورة الشرب بدل التخاذل في قول كلمة الحق، وإيجاد معاهد متخصصة لعلاج آفة إدمان شبابنا عليها، والتي أضاعت مستقبلهم وهدمت منازلهم وسن قوانين وتشريعات حازمة تجاه الاتجار بالبشر والدعارة، فالموضوع بدأ يتفاقم بشكل قد لا يمكن السيطرة عليه مستقبلاً.
ويجب تكريم النساء الذين خاضوا مجالات لم يسبق لأي امرأة في العالم خوضها وإبرازها لإظهار مدى اهتمام الدولة ودعمها للمرأة البحرينية، مثل الملازم نورة آل خليفة كبطلة أمنية، فهي المرأة الوحيدة التي نزلت ميدانياً للدفاع عن البحرين أيام الأزمة وشرفت اسم البحرين، والمرأة العربية بالمحافل الدولية كأول امرأة في العالم تعمل ميدانياً بمكافحة المخدرات وكقدوة حسنة، هذه المرأة تكريمها سيشكل حافزاً ليحتفظ التاريخ البحريني بعطائها في مجال لم يسبق لأي امرأة في العالم خوضه، وستفتح من ورائها الباب للعديد من فتيات البحرين للبروز والتميز أيضاً، خاصة في المجال الأمني والدفاعي الذي يشكل ركيزة الاستقرار.
ينقصنا مشايخ دين معتدلين يفسرون مبادئ الإسلام الحقيقية كما هي، مشايخ دين يدعون إلى طاعة ولي الأمر وإخماد الفتن، مشايخ دين غير متلونين.
هناك حاجة لدعم الشباب وتوظيف الأعداد الكبيرة من العاطلين منهم وتشجيعهم على الدراسة وتوفير حقوقهم المنسية أمام الانشغال بمطالبات الانقلابيين وممثليهم.
ينقصنا تكريم أبطال البحرين من جنود الأمن والشرفاء في فعالية وطنية كبيرة حافلة الذين تصدوا لأكبر مؤامرة انقلابية تحصل بتاريخ البحرين كحافز للأجيال المستقبلية وذكرى وطنية لا تنسى يستشهد فيها في كل محفل ومناسبة، فإشاعة أجواء تقدير الدولة لمواقف البطولة والتضحيات والشجاعة هي فعلاً ما نحتاجه في البحرين حالياً، وهو ما ينقص إعلامنا الرسمي المنشغل بتغطية الفعاليات المتواضعة المستوى والمكررة.
إعادة هيبة رجال الأمن والاستفادة من خبرات العساكر ورجال الأمن المتقاعدين، خاصة أولئك الذين كشفوا المخططات الانقلابية خلال فترة التسعينات ومنحهم مناصب تتلاءم مع خبراتهم الأمنية أو وضعهم كمستشارين، وهو أقل القليل فهم إضافة إلى خبرتهم وباعهم الطويل في التصدي لسيناريو المخططات في الفترة الماضية يمتلكون سجلاً من المعلومات التي تخدم الجانب الأمني في البحرين.
- إحساس عابر..
خلال استقباله للوفود العربية المشاركة في الملتقى الإعلامي السياحي الذي أقيم مؤخراً في دولة الإمارات العربية المتحدة، كحاكم لإمارة رأس الخيمة، وأثناء تقديمنا لأنفسنا كمشاركين سألنا باهتمام: «كيف هي البحرين؟»، ثم سأل عن عين عذاري وهو يقول: «البحرين بلد عزيز علينا وبيننا وبينه علاقات ممتدة من الماضي»، كان ترحيبه وحسن استقباله يعكس مدى حجم البحرين تاريخياً في نفسه، وهو خير دليل على سجل البحرين الحافل كدولة رائدة قديماً فمن يذكر عين عذاري، حتماً هو يعرف البحرين القديمة التي كان خيرها يعم الخليج كله ويذكر معالمها بدقة.