ما حصل في البحرين قبل أيام من تفجير قنبلة «متطورة» أودت بحياة ثلاثة من عناصر الأمن بينهم ضابط إماراتي، يعد حلقة في مسلسل استهداف البحرين شعباً ونظاماً ومقدرات، ولا يصنف كعملية إرهابية فقط، بل إعلان حرب يجب ألا يمر مرور الكرام، وأن يواجه بإجراءات ترتقي لمستوى الجرم وتحاسب مرتكبيه والمحرضين عليه. الظروف الراهنة تتطلب قدراً من الحزم ورباطة الجأش والابتعاد عن التأثر العاطفي والانسياق خلفه، ويستلزم من الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون التحرك الجاد والسريع، وأخذ زمام المبادرة، لإنفاذ القانون بحذافيره على كل إرهابي أو متعاون معه، واعتماد وسائل مبتكرة في التصدي لحرب فرضت فرضاً، ولجم إرهاب قدم من الخارج وحط بين ظهرانينا. لا أحد يشك في قدرة أجهزة الأمن البحرينية في السيطرة على الأوضاع، وإعادة الأمور لنصابها الطبيعي، وجلب الجناة ومثولهم أمام العدالة، وتطبيقها عليهم، لكن هذا تحصيل للمحصل والمطلوب أكبر بكثير، فالجاني ليس فقط من زرع القنبلة أو صنعها أو فجرها، الجناة هم منظمة متكاملة تشمل المحرضين والداعمين المعنويين والماليين لهذا الإجرام المنظم، وبمقدمتهم النظام الإيراني معلن الحرب وقائدها وممولها.
إيران أعلنت الحرب الصفوية على المنطقـــة دولاً وشعوباً، حرب تعتمد على مستويات تنفيذ مختلفة ومتعددة، تبدأ من قاعدة إجرامية وخلايا داخلية نائمة تستيقظ من سباتها متى يطلب سادتها في طهران، ليفجروا ويدمروا ويسرقوا ويقتلوا، ويعيدوا البلاد لقرون الظلمة، فقط إرضاء لساداتهم وملاليهم.
هؤلاء يتصلون بمنظمات سياسية وحقوقية محلية على علاقة وشيجة مع منظمات خارجية ودول إقليمية وعالمية، وقد تختلف أهداف هذه المجموعات الإرهابية من منطقة لأخرى، لكنهم يجتمعون في الهدف الرئيس، وهو إعادة إنتاج الدولة الصفوية وبعثها من جديد. للانتصار في هذه الحرب ومقاومة المشروع الإيراني، علينا أن نؤمن بوجود هذه الحرب أولاً، ونوقن أنها حرب مصيرية فرضت على دولنا وشعوبنا قهراً وقسراً، ولم نستدعها بإرادتنا وطيب خاطرنا، ولا بد من خوضها، فلا وجود لفرق بين اللبناني أو البحريني أو اليمني في هذه الحرب الطائفية الموجهة، ولا بد أن توحد مصيرنا وأجنداتنا، وعندها فقط يمكن الحديث عن خطوات حسم المعركة وكسبها.
وهنا تفرض الضرورة اعتماد أساليب منهجية، مبنية على شراكة شعبية وحكومية عربية للتصدي لهذه الحرب، يتخطى الدول المتضررة منه حالياً إلى الدول المرشحة للاكتواء بنارها مستقبلاً، وغيرها من الدول الصديقة والشقيقة، فالاعتماد على وزارات الداخلية أو الجيوش أو الحلول السياسية الفردية في دول المواجهة -الخليج العربي واليمن والأردن ومصر- كل على حدة، لن يضمن أو يحسم الانتصار، وربما تكون النتائج عكسية.
ويأتـــي فـــي قائمــــة الأولويـــــات واستراتيجيات مواجهة هذه الحرب، إحياء روح الدفاع عن مكتسبات الـــدول وشعوبهـــا لــدى الأفــراد، وإشعارهم بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم في الحفاظ على الهوية والأرض والإنسان، وتسليم راية الأوطان مصانـــة لأبنائهـــم مـــن بعدهــم، ويتحمــل مسؤولية التوعية بذلك منظمات المجتمع المدني من نقابات وجمعيات ومؤسسات وأحزاب قبل مسؤولية الحكومة بأجهزتها المختلفة، فلا مكان لكلل أو ملل في حرب وجود ومصير.
خط آخر لا يقل أهمية عن الخط الشعبي والمدني، هو التنسيق بين دول المواجهة، وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، عن طريق تكوين لجنة عليا تنسق سياسات مكافحة الإرهاب داخلياً وخارجياً، وتنقلنا من موقع الدفاع وصد الهجمات من إيران وحلفائها، إلى خانة الهجوم بردع إيران والقضاء على مشروعها. المسؤولية مسؤوليتنا جميعاً، ومن يتقاعس الآن يدفع الثمن غالياً غداً، ولن تنفعه مقولة أكلت يوم أكل الثور الأبيض.