لا تخضع العلاقات الكويتية الإيرانية إلا بصعوبة للتوصيف الإيجابي، ولعل من أهم أسباب ذلك البعد الخليجي في تلك العلاقات. فالكويت جزء من مجلس التعاون الذي أرادت إيران -الجمهورية- تصدير ثورتها له، وهي جزء من خليج تحاول إيران فرض هيمنتها عليه، كما إنها جزء من الخليج الذي تدس إيران أنفها في شؤونه الداخلية؛ بالتجسس حيناً وبالتحريض أحياناً.
لكن الشيخ صباح الأحمد أراد بزيارته المرتقبة لطهران فتح صفحة جديدة، دون قطيعة مع الماضي؛ فالتعريف الإيجابي للعلاقات لن يتم إلا بالسير الحذر على الشاطئ المقابل من الخليج مع تذكر الماضي، ومن الثوابت التي يتمسك بها رجل الدبلوماسية الأول في الخليج في مقاربته للأمور عدم استعداده لتقبل الرأي الأحادي القائل بعدم جدوى مد اليد لطهران، ولعل مما دفع شيخ الدبلوماسية للقيام بهذه الزيارة أمور عدة منها:
- تغير البيئة الإقليمية؛ فالزيارة استجابة لتلك التغيرات الإيجابية، ولخلق مناخ وفرص جديدة للأمن والاستقرار في الخليج، وعودة لأصول الأشياء في أن لا خلافات تستحق القطيعة مع طهران.
- تغير النظام في طهران ووصول روحاني؛ وهو شخصية معتدلة نسبياً رافقها إشارات إيجابية بعثها للخليج، فخلقت تفاؤل بأن الزيارة ستحقق نتائج طيبة، حيث لم يكن بالإمكان الشعور بهذا التفاؤل في عهد نجاد.
- تكمن أهمية الزيارة في توقيتها؛ والذي أتى بعد توصل مجموعة «5+1» لاتفاق مؤقت مع طهران بشأن برنامجها النووي، وهذا مبعث اطمئنان لنا في الخليج كله.
- تأتي الزيارة في الوقت الذي لمحت فيه الرياض بترحيبها بعلاقات مع إيران عمادها الاحترام المتبادل؛ وبما أن الكويت قد قادت هذا التقارب، فزيارة الشيخ صباح -حفظه الله- جزء من جهد خليجي منسق للخروج من الحرب الباردة مع طهران.
- لقد وضعتنا سياسة أوباما المرتبكة أمام أمر واقع؛ فكان لابد من إجراءات استباقية لكي لا نجبر على مصالحة سيئة مع إيران تحت ضغط مصلحي غربي، فجاء التقارب والزيارة في سياقها تحقيق لمبدأ «بيدي لا بيد أوباما».
- ينظر البعض إلى الكويت كجسر بين إيران ودول الخليج الأشد قلقاً تجاه إيران والمناهضة لها أحياناً، مثل السعودية والبحرين والإمارات، فأتت الزيارة استغلال لحيز المناورة المتوفر للكويت.
- لا نستبعد أن يقوم أهم دبلوماسيي في الخليج بدور الوسيط هذه المرة في الملف البحريني والملف الإماراتي بعد الملف السعودي مع طهران.
- فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين الكويت وطهران بعد أزمة التجسس والقلق المتواصل من النووي والمناورات وقذائف المتطرفين في البرلمان الإيراني بين فينة وأخرى، وحسم قضية الجرف القاري وتفهم حاجة الكويت للغاز الكامن في المنطقة.
لقد شهدت العلاقات الإيرانية الكويتية أقل السلبيات منذ تعكر مياه الخليج بين الضفتين، ومن يفهم صامويل هننغتون صاحب نظرية صراع الحضارات جزئية «الصدع» «The fault lines» بين الحضارات؛ يدرك أن الكويت تحاول الفرار من قدر يقول إنها ستصبح أرض المعركة لو حصل الصدام بين دول مجلس التعاون وطهران ومن يدور في فلكها.
إن الإيجابيات في نجاح الشيخ صباح الأحمد في مسعاه كثيرة جداً؛ وسيكون مستمسكاً على المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، هو وصف الزيارة المرتقبة بأنها «مصيرية»، وعليه فما دامت مصيرية فلا تجعلوها تفشل بدبلوماسية إيران المعروفة بالشد بيد في قم والإرخاء بيد أخرى في طهران. فوصول الشيخ صباح وبرفقته وفد هام يضم وزراء الخارجية والنفط والمالية والتجارة والصناعة، والإعلان عن النية لتوقيع اتفاقيات ومذكرات تتعلق بالنقل الجوي والسياحة والرياضة واتفاقيتان في مجال العمل، كلها تدفع طهران أن ترد التحية بأفضل منها.